كل عام وأنتم بخير. للأيام المباركة طعم خاص، وأجواء تلف الناس بإحساس المحبة والأخوة والمشاركة والتسامح. مشاعر تتسلل إلى النفوس فتدعو الجميع إلى ممارسة الطقوس الدينية والاجتماعية الرمضانية، ودعوة أيضاً إلى وقفة مع النفس، تأمل الروح، محاسبة الذات، وفعل الخير ومساعدة الغير. أياً كانت طقوسك في رمضان، وأياً كان جدول أيامك الذي تحب أن تتبعه، فأنت مدعو إلى مائدة التضامن مع الآخرين بالدعم المعنوي أولاً، وأن تتحكم في تصرفاتك، وهو واجب على كل إنسان أن يضعه على رأس ممارساته في الشهر الكريم. هذا العام قد يكون أكثر مرارة من أعوام مضت. ورمضان هذا العام يدعوك إلى مشاركة المشاعر قبل أن تبحث عن مشاركة الأطباق. شارك من تعرفهم ومن لا تعرفهم إحساس استقبالهم رمضان وهم على خطوط النار. شارك الجنود البواسل إحساسهم وهم يستقبلون الشهر الفضيل بعيداً عن عائلاتهم، ويضعون حياتهم على أكفهم تضحية من أجل الآخرين، فهل هناك أجمل وأنبل من هذا العطاء والكرم؟ ألا يستحقون وقفة منا لنتذكرهم وندعمهم معنوياً؟ شارك أُسَر الشهداء مشاعرهم بقدوم رمضان بلا أب، أو أخ، أو ابن، فرحهم ناقص، والغصّة تسكن القلب، لكن الحياة تستمر ولا بد لهم أن يعيشوا أجواء رمضان الخير والبركة. شارك ولو بالمشاعر، من تعرفهم ومن لا تعرفهم وهم يستقبلون الصيام في خيمة للاجئين، بلا مأوى، بلا مائدة حقيقية، بلا لمّة للعائلة بعد أن تشتت أفرادها وصار كل منهم في بلد، أو عالقاً على حدود بين ضفتين ومستقبلين، وذلك الذي صارت الوجبة الغذائية المكتملة بالنسبة إليه كالحلم، يكتفي بالفتات وما تيسر من رغيف خبز هنا ولقمة عيش هناك، وفضلات طعام من عابر سبيل، ومن بقايا وجبات المطاعم.. كن مختلفاً في رمضان هذا العام لأن رمضان مختلف. لا تفاخر بما تعدّه من طعام، وما تأكله وتشربه، وتتحف الناس بصور من أشهى الأطباق والحلويات على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا داعي لتتنافس السيدات بعرض الأطايب وكتابة من صنع يدي وحياة عيني، والتغزل بكل لقمة ووصفة وسُفرة. فأياً كان ما تأكله وتشربه بسيطاً ومتواضعاً، إلا أنه مائدة فاحشة الثراء في عيون كثير من المحرومين، والجائعين، والمشردين رغماً عنهم. وأنت تتواصل عبر مختلف الوسائل الاجتماعية من فيسبوك وتويتر وانستغرام وغيرها، لا تجعل من الشهر الكريم شهر تباهٍ، ولا تحوّله إلى سلسلة من التنافس حول أجمل عباية وأغلى زينة، ولا تتباهى بعدد المطاعم الفخمة التي تتلذذ بالإفطار فيها، ولا تكن من المروّجين للبذخ عن غير قصد بسبب هذا التنافس السطحي في شكله، والعميق في مدى تأثيره في الآخرين. والبذخ والإسراف في الصور صارا موضة، أو عادة يمارسها الناس من باب الفرح والمتعة، فهل يصعب الصيام عنهما، أو الحد منهما في رمضان؟ مارلين سلوم marlynsalloum@gmail.com