عظم الله سبحانه وتعالى صلة الرحم ووضع لها مكانة بارزة في الإسلام، ومما يدل على ذلك ما دعت إليه آيات القرآن الكريم، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم عن عظيم أثرها وفضلها، ورغبت فيها أعظم الترغيب، وكان ذلك دينياً ودنيوياً، ومن فضائلها أنها شعار الإيمان بالله واليوم الآخر وجلب لصلة الله للواصل، ومن أعظم أسباب دخول الجنة، كما أن الله يطيل للواصل في عمره ويبارك له في رزقه ويدفع الأذى عنه، فيما حذر الله سبحانه وتعالى من قطع رحمه بالوعيد الشديد بالطرد والإبعاد من رحمته. ولا شك أن المجتمع الذي يحرص أفراده على التواصل والتراحم؛ يكون سبباً في شيوع المحبة والمودة والتكافل بين الناس وتحقيق الأمان الاجتماعي وبناء أسر متماسكة، ومجتمع متين. ويُعد شهر رمضان المبارك فرصة عظيمة لحل الخلافات والنزاعات وعودة القلوب إلى صفائها وإحسانها، فالواجب أن يكون هذا الشهر سبباً للتواصل والرحمة وسبباً لإزالة العداوات والقطيعة والاختلافات وكذلك استغلاله بتقريب الاختلاف بين الأقارب والإصلاح فيما بينهم والإحسان إليهم. واجب شرعي في البداية أوضح د.عقيل العقيل -الأستاذ المشارك بقسم الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء- أن صلة الأرحام من أوجب الواجبات الشرعية ومن أسس ترابط الأسرة ولذلك أكد الله عليها في كتابه وأكد عليها نبينا صلى الله عليه وسلم في سنته، فقال تعالى في كتابه المبين: وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ في كتاب الله، وقال تعالى: وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَساءلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ، أي فلا تقطعوها؛ مشدداً على أن الرسول صلى الله عليه وسلم أكد على هذه المعاني فعندما وصل إلى المدينة مهاجراً أكد على عدة خصال فقال صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس: أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصلّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام، مضيفاً أن من الثمار العظيمة لصلة الرحم أن الله يبسط للعبد في رزقه ويطيل في عمره ويبارك له فيه، حيث قيل انها زيادة حقيقية وقيل إنها زيادة معنوية أي بالبركة وتكون السنة كعشر سنين وهكذا، وفي المقابل أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم محذراً من قطيعة الرحم وما يترتب عليها حيث قال: مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يُدَّخَرُ لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ، مبيناً أن الواجب على المسلم استغلال الشهر الكريم شهر رمضان شهر العفو والمغفرة والعتق من النار بصلة الأرحام ونبذ الخلافات والعداوات والقطيعة، ذاكراً أن التواصل بين الأقارب مطلوب لكن أيضاً عندما يكون هناك تقصير أو فجوة فهنا يأتي دور الموفق إلى الخير في رأب هذا الصدع وصلة الرحم، ولا يضيرك أن يكون بعض الأقارب غير متجاوب أو عندما يرد عليك رداً سلبياً، أو يستثقل الرد عليك لأنك تعمل للآخرة فتحمل ما يأتيك في هذا الطريق وأصبر واحتسب الأجر عند الله عز وجل. مرتبة عالية وشدّد د. العقيل على أهمية أن يتحلى المرء بالصبر والمصابرة خاصةً عندما يكون بعض الأقارب غير متعاونين وغير متجاوبين، موضحاً أنه وإن استمر الإنسان في القطيعة فإثمه على نفسه فالمهم أن لا تكتب عند الله قاطعاً وهذا الذي يهمك، مبيناً أن وسائل التواصل الاجتماعي الموجودة في وقتنا الحاضر أصبحت أكثر تيسيراً ومساعدةً على صلة الرحم وذلك عبر الاتصال الهاتفي أو الرسائل النصية أو عبر البرامج الحديثة في الأجهزة الذكية وغيرها، مشيراً إلى أنه من المهم أن يجد المسلم عملاً واحتساباً وبحثاً عن رضا الله ودحراً وانتصراً على الشيطان، مضيفاً أن من وصل أرحامه فإنه قد بلغ مرتبة عالية في الانتصار على الشيطان، الذي يريد القطيعة والتفريق بين المؤمنين والبغضاء والعداوات فلا تفتح له المجال ودع عنك القيل والقال وصغار الأمور، وكن كبيراً تبحث عن أعالي الأمور، وأبحث عن منزلتك في الجنة ودعك عن سفاسف أمور الدنيا مهما كان الإنسان ومهما بقي، فو الله هو راحل من هذه الدنيا، مبيناً أنه لا بأس أن يهدي الإنسان إلى أرحامه ويتصدق عليهم إن كانوا فقراء ويهديهم إن كانوا أغنياء، لافتاً إلى أن الصدقة على ذوي الرحم اثنتان، أما على البعيد فهي واحدة، فعلى البعيد صدقة وعلى ذوي الرحم اثنتان صدقة وصلة رحم فحينها قد كسبت أجران، موضحاً أن الناس في هذا الشهر الكريم مقبلون على الله عز وجل؛ فالواجب أن يكون هذا الشهر سبباً للتواصل والرحمة وسبباً لإزالة العداوات والقطيعة والاختلاف وكذلك استغلاله بالتقريب من المختلفين من الأقارب والإصلاح فيما بينهم وأن يكون المرء عاملاً ومفتاحاً للخير مغلاقاً للشر. غير صحية وأكد د. خالد الحليبي -مدير مركز التنمية الأسرية بالأحساء- أنه تفشت في الفترة الأخيرة ظاهرة غير صحية، وهي ضعف التواصل مع الأقارب، ومد حبال التواصل مع الأباعد، حتى من المجهولين، الذين لا يعرفون عنهم سوى أسمائهم وما يتظاهرون به على حساباتهم في وسائل التواصل، مضيفاً أنه عجب حين رأى أحدهم يتوقف أمام رجلين، ويطيل فيهما النظر، ثم يقول لهما: هل أنتما أخوان، فأجاب أحدهما: نعم، بل شقيقان، فأخذ يحملق بشراهة ويقول: عجباً، فسألاه عن مصدر عجبه، فأجاب: يظهر عليكم أنكما متفقان ومتماسكان، وأنا اليوم لا أكاد أرى أخوين على قلب واحد، مشيراً إلى أن من أبرز الأسباب التي أدت إلى فشو القطيعة هي فشل الآباء في الربط بين قلوب الأولاد، ذاكراً أن ما يتعلق بمستوى الأسر الكبيرة فإنه يجب أن يكون هناك عنصر قيادي بينها يكون هو كبير الأسرة وعميدها، ترى فيه من الخصال الكريمة ما يستحق به أن يطاع ويستشار، فيجمع شتاته، وترجع إليه في فرحها وترحها، ويكون نجدة المستغيث، وملاذ المحتاج منهم، مشدداً على أن غياب مثل هذا العنصر يُعد من أبرز أسباب ضعف البناء الداخلي لكل أسرة، ومن ثم تصدعها، وفشو الخلافات بينها. فرصة عظيمة وقال د.الحليبي: إن المرء منّا قد يغفر للغريب الذنب الذي لا يغفره للقريب، فلماذا؟، إمّا أنه يبحث عن مصلحة يجدها عند البعيد ولا يراها عند ذي الرحم، أو لأن القريب بحكم طول الصحبة، وسقوط الكلفة سقط حقه من الاحترام والتقدير، بل حتى من المجاملة، أو لأننا لا نجد الفرصة لكي نشبع طمع نفوسنا في إرضاخ الآخرين لآرائنا إلاّ على أقربائنا، لأننا نأمن العواقب معهم، مضيفاً أن علينا أن نقبل العذر ممن يعتذر، وأن نقابل القطيعة بالوصل، فليس المواصل بالمكافئ ولكن الواصل من إذا قطعت رحمه وصلها، مُشدداً على أن أسرة الإنسان وأرحامه هم عدته وسنده، وهم قوته ومفزعه، فمهما كانت أصالة الأصدقاء ونبلهم، فإنهم لن يصلوا في النوائب في مستوى تحنن الأرحام واستعدادهم، ومهما تجذرت العداوات والخلافات بين الأرحام فلابد من العود -ولو بعد أمد- إلى لئم الجراح، وإعادة العلائق، بينما قد تدوم القطيعة بين الغرباء أبد الدهر، لأنه لا يوجد عنصر كالدم يستطيع أن يشد المتقاطعين ولو بعد أجيال، مشيراً إلى أن صلة الرحم ولا سيما في شهر رمضان الذي تعظم فيه أجور الأعمال الصالحة عظيمة البركة، فهي طاعة للرحمن، وبركة في الأرزاق والأعمار، ومن أسباب التوفيق في الحياة، ودفع الأذى، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: من سره أن يمد له في عمره ويوسع له في رزقه، ويدفع عنه ميتة السوء فليتق الله وليصل رحمه. ولفت إلى أن رمضان والقرب من العيد يعدان فرصة عظيمة لأجمل نسيان في الوجود، وهو نسيان أخطاء الأرحام في حقك، لتعود القلوب صافية نقية كما كانت، فهلاّ عزمنا في شهرنا هذا أن نطوي كل ما قد تراكم، في قلوبنا عبر السنين بيننا وبين أرحامنا، وأن نبدأ حياة جديدة غير منغصة بالحقد على أحد، فما أشقى الحساد، وما أشد مرض الحاقدين، عافانا الله جميعاً من أمراض القلوب وآفاتها؛ حتى نستقبل عيدنا المبارك -إن شاء الله- ونحن في أحسن حال وأطهر قلب وأكرم نفس. وسائل الاتصال وتحدث د. صالح السبيعي -باحث اجتماعي- قائلاً: إن لصلة الرحم أجرا عظيما وفضلا يناله الإنسان في الدنيا والآخرة، وفي شهر رمضان خاصةً يزيد هذا الأجر ويبعث في النفس الطمأنينة والقرب من الله بهذه الصلة المباركة، مشيراً إلى أنه لو نظرنا الى واقع صلة الرحم اليوم في المجتمع نجد أن التغير الاجتماعي الذي صاحب المجتمع خلال السنوات الماضية أدخل صلة الرحم في جدوله هذا التغير وأصبح لها تنظيمها الخاص في حياتنا الاجتماعية، مضيفاً أن هذا التنظيم يختلف من شخص لآخر بحسب ظروف العادات والتقاليد، فلم تُعد الزيارات المفاجئة للأرحام مقبولة دون تحديد موعد مسبق ولم تُعد بساطة الاستقبال مرضية دون تكلف والخروج بمظهر حسن يحاكي التغير الاجتماعي للمجتمع، مبيناً أن تطور وسائل الاتصال ومواقع الانترنت وبرامج التواصل الاجتماعي وتسارع التقنية الحديثة أدخلت صلة الرحم في هذا التسارع، الذي أثر على كثير من الناس في جوانب عديدة خلال حياتهم اليومية، مؤكداً على أن هناك من يكتفي بالاتصال لصلة أرحامه وهناك من يرسل الرسائل، والأخطر من هذا كله من أنكر هذا التسارع أو بعبارة أخرى لم يعترف به لتمسكه ببعض العادات والتقاليد فظهر على سطح العلاقات الاجتماعية والأسرية الخلاف في صلة الرحم. ضياع الأجر وأوضح د.السبيعي أن هذا الخلاف يكون مرتبطا بالجهل أو للتمسك بالعادات والتقاليد دون الاعتراف بحقوق صلة الرحم، مبيناً أن هناك من يجهل الأجر العظيم في صلة الرحم وبخاصة الوالدين ومن له حق عليهم ويكتفي برسالة دون أن يعير لحقهم وتفقد أحوالهم أي اهتمام رغم قدرته على صلتهم وقربه منهم، أمّا العادات والتقاليد فلها حقها في حدود المنطق والمقبول، أمّا أن تُقطع صلة الرحم بسبب مخالفتها فذاك فيه ظلم كبير وضياع لأجر عظيم وبخاصةً في شهر رمضان المبارك، مضيفاً أن لهذا كان واجباً على ذوي الاختصاص المعتبرين التعرض إلى هذا الجانب عبر وسائل الإعلام المرئية والمنشورة وبرامج التواصل الاجتماعي واستغلال شهر رمضان في توضيح خطر التهاون في صلة الأرحام والآثار المترتبة على سوء استغلال وسائل التقنية وبرامج التواصل الاجتماعي والعادات والتقاليد في صلة الرحم. اصطحاب الأبناء عند زيارة الأقارب يزرع فيهم فضل وعظم صلة الأرحام «أرشيف الرياض» شهر رمضان فرصة لصفاء القلوب ونبذ الخلافات صلة الأرحام من الواجبات التي ينبغي الحرص عليها في رمضان الشهر الكريم فرصة للمقصرين لصلة أرحامهم وزيارة أقاربهم د. خالد الحليبي د. صالح السبيعي د. عقيل العقيل