"ثلاجتي فارغة تماما" تقول مايرا دو راموس وهي تشير إلى رفوف ثلاجتها الخالية، في حين تعاني يوميا أعداد متزايدة من الفنزويليين من الجوع مع تفاقم الأزمة الاقتصادية في البلاد. وتشكو المرأة المتقاعدة البالغة من العمر 64 عاما وتعيش في حي كاتيا الشعبي في كراكاس مع ثلاثة من أبنائها وثلاثة من أحفادها من المكابدة خلال رحلتها اليومية لتأمين الطعام لعائلتها، حيث تنتظر مايرا كل يوم في الطابور لمجرد شراء كيسين صغيرين من دقيق الذرة والمعجنات، وتؤكد: "نحن لا نأكل ثلاث مرات في اليوم، نأكل في الصباح وفي وقت متأخر بعد الظهر، هذا كل شيء. نعد طبقا من دقيق الذرة للأطفال حتى لا يناموا جوعى". واختفت الكثير من السلع الأساسية في هذا البلد الذي أفقره تراجع أسعار النفط المصدر الرئيس للعائدات، وأدى ذلك إلى تقنين المواد الغذائية، وبات يمكن لكل شخص الحصول على بعض الطعام في يوم محدد من الأسبوع تبعا للرقم الأخير في بطاقة هويته، وهذا يتطلب الانتظار ساعات في الطابور دون أن يعني ذلك أنه سيجد ما يحتاج إليه، وتقول مايرا إنها غالبا ما تخرج وتعود خالية اليدين. وتتشكل الطوابير منذ الفجر أمام المتاجر التي بات يحرسها جنود مع ارتفاع أعمال النهب في ظل شعور باليأس، وخرجت تظاهرات في كراكاس خلال الأسبوع المنصرم هتف خلالها المواطنون: "نحن جائعون" قبل أن تفرقهم الشرطة بالغاز المسيل للدموع. وفي الوقت نفسه، أعربت المعارضة عن غضبها إثر إلغاء الهيئة الانتخابية اجتماعا مهما كانت تأمل أن يعطي خلالها الضوء لتنظيم استفتاء لعزل الرئيس الاشتراكي نيكولاس مادورو الذي تحمله المعارضة مسؤولية انهيار الوضع الاقتصادي. ويصب الفنزويليون غضبهم على الرئيس المنتخب في 2013 لست سنوات، وبات سبعة من أصل عشرة من مواطنيه يرغبون في رحيله، لكن عددا قليلا من الناس يخرجون للتظاهر وذلك لأنهم منشغلون بأمور أخرى. وتعاني فنزويلا أزمة اقتصادية طاحنة فاقمت من وتيرة التوترات السياسية بين الحكومة الاشتراكية والمعارضة، وأصبح انقطاع التيار الكهربائي ونقص الغذاء أمرا معتادا، كما أن معدل التضخم في البلاد من بين أعلى المعدلات في العالم. وتملك فنزويلا أكبر احتياطات نفطية في العالم، لكنها تضررت بانخفاض أسعار النفط الذي يؤمن لها 96 في المائة من عملاتها الصعبة، واتخذت الحكومة إجراءات تفرض قيودا على تنقلات رؤوس الأموال. ومدد مادورو حالة الطوارئ الاقتصادية لمدة 60 يوما، وهدد بمصادرة المصانع التي توقف الإنتاج، وقلل من أهمية شكاوى المجتمع الاستثماري حول وجود نقص في المواد الخام. وتشير ليليانا روخاس (44 عاما)، إلى أنها تقضي يومها في الوقوف بالطابور أملا في الحصول على شيء، وتضيف المرأة التي تعيش في حي كاتيا أنها عندما تأكل وأسرتها في الصباح لا يأكلون عند الظهر، وإذا أكلنا وجبة الغداء فلا نتعشى، حتى يكفينا ما نحصل عليه من الدقيق ليومين، انظروا إلى الثلاجة، إنها فارغة تماما. وتستورد فنزويلا كل ما تستهلكه تقريبا، ولكن حتى قدرتها على الاستيراد تراجعت إلى حد كبير، وهذا أدى إلى خلو الأرفف في المتاجر، ويتهم مادورو أصحاب الشركات اليمينيين بأنهم السبب وراء ذلك، وبأن المعارضة تدعمهم ل"شن حرب اقتصادية" عبر افتعال حالة النقص في الأغذية والسلع لقلب نظام حكمه. وتحت المطر الشديد، تعود روزا جوميز إلى منزلها في بيتاري في شرق كراكاس ومعها علبتان من دقيق الذرة، ودجاجتان وثلاثة قوالب زبدة بعد ساعات طويلة من الانتظار في أماكن متعددة، وتقول المرأة البالغة من العمر 38 عاما، إنها خرجت في الخامسة صباحا، وقضت كل يومها في الطوابير لتعود بهذه الأغراض الخفيفة، مشيرة إلى أنه لا حيلة لديها، وإلا فلن يكون لدى أسرتها ما تأكله، كما أنه ليس لديها المال الكافي لكي تشتري من السوق السوداء. ويبيع المهربون في السوق السوداء السلع التي اختفت من المتاجر بأسعار خيالية؛ إذ يبلغ سعر كيس الدقيق الصغير ألفي بوليفار في السوق السوداء مقابل 190 بوليفار بالسعر الرسمي، وتؤكد روزا أنه من المستحيل أن تشتري أي شيء بالأجر الذي تتحصل عليه من عملها. وسعيا لحل المشكلة المتفاقمة، أعدت الحكومة خطة لتوزيع أكياس تحتوي على الأرز والسكر والدقيق من خلال لجان توزيع السلع، ولكن السكان يشتكون من أن الكميات التي تحتوي عليها قليلة جدا، وأنها غالبا ما توزع على أساس المحسوبيات السياسية. وتوضح مايرا أن الكيس الذي تحصل عليه كل شهر يثير الشفقة بما يحتويه من أربعة أو خمسة منتجات، وتضيف وهي تحاول ربط قطعة قماش حول الحنفية لتصفية المياه العكرة التي تصلها، وبعد أن تملأ بضع قناني وتضعها في الثلاج، أن الماء هو كل ما لدينا.