أثبتت دولتنا الحبيبة، مرة تلو المرة، أنها دولة قانون تعلي من شأنه، وتحترم سيادته على الجميع، لذلك، يبدو لي مستهجناً وغريباً، تسرع البعض إلى التنكر لهذه الحقيقة في مناقشتهم لتبعات جريمة اغتيال الطفل الأردني عبيدة العقرباوي في دبي قبل أسبوعين، فهناك من تفتقت عبقريته عن اقتراحات غريبة على مجتمعنا وقوانينا للعقوبة المقترحة للمجرم القاتل، وهنالك من قلد جهات غربية بببغاوية تامة، موزعاً الاقتراحات يمنة ويسرة، متناسين جميعاً أن لدينا قانوناً نافذاً للعقوبات ينبغي احترامه، واحترام رأي القضاء في العقوبة التي يراها مناسبة، وفقاً لبشاعة الجريمة، واستناداً لنصوص القانون السيد. ولعله من حسن التوافق، أن تتزامن هذه التخرصات غير المباشرة على قوانيننا، مع الأحكام العادلة التي أصدرتها أكثر من محكمة في قضايا تهم الرأي العام، حيث برأت المحكمة الاتحادية العليا، بعض الأشخاص، وأدانت آخرين في عدد من قضايا أمن الدولة، فيما فعلت شيئاً مشابهاً محكمة جنايات دبي، في قضية شركة ديار التي شغلت الرأي العام سنوات طوال. وما تعنيه هذه الأحكام، هو أن سيادة القانون واستقلالية القضاء، خيار استراتيجي رئيس للدولة، كضمانة دستورية للحق والعدالة والحرية والاقتصاد والأمن، لأنه إذا اختل معيار القانون والقضاء، لا قدر الله ولا سمح، يختل بالنتيجة كل ما سواه. والعقوبات المنصوص عليها في قوانين الدولة، هي العقوبات المتعارف عليها في منظومة الدول المتحضرة، لأن الدولة، أي دولة، في تصديها للجريمة، لا يستقيم أن تتصرف بردة فعل، فتتحول عقوباتها إلى السياق الثأري أو الانتقامي، فإذا فصّلنا عقوبة خاصة لهذه الجريمة، ماذا سنفعل بجريمة أخرى أشد أو أخف بشاعة، وإلى أين ستوصلنا العقوبات المفصّلة على مقاس المجرمين الأفراد؟. والواقع أن توحيد معايير العقوبات وعدم انتقاميتها وانتقائيتها، مكونٌ أساسي من مكونات منظومة العدالة في الدولة، لذلك، حين يطبق القاضي العادل بنزاهته ومهنيته صحيح القانون على الحالة الماثلة أمامه، مثل حادثة اغتيال الطفل عبيدة، تكون النتيجة تحقيق العدالة للضحية أولاً، والحماية للمجتمع ثانياً، وهذا لا يتحقق لو تصرفت المنظومة القضائية بانتقام وانتقائية، كما يطالب البعض دون إدراك لخطورة ما يطالبون به. والقوانين وُضعت لكي يتم احترامها، وهناك أصول دستورية ونظامية لتعديلها وتطويرها، لا تشمل الضجيج المفتعل والاقتراحات الصبيانية، فالدول لا تعمل بهذه الطريقة، وما يناسب دولة معينة من عقوبات خاصة، تتصدى لظاهرة منتشرة هناك، لا يناسبنا بالضرورة، خصوصاً ونحن نتحدث عن حالة جرمية مختلفة، لم تصل عندنا لتصبح ظاهرة، وبإذن الله لن تصل. وما أخشاه، أن يكون هنالك بعضٌ من المستثقفين، وخاصة العاطلين عن العمل والفكر، هم من يحاول إثارة الشبهات والشكوك حول منظومتنا القضائية والقانونية لأغراض غير بريئة، فهل حان الوقت للجهات المختصة، أن تضع ضوابط قانونية للشطط الذي يتم تداوله تحت مسمى آراء قانونية، وهي آراء غريبة وغير مهنية في معظمها. وستبقى دولة الإمارات دولة القانون السيد، والعدالة القضائية الناجزة، رضي من رضي، وغضب من غضب.