تتصاعد حمى الحرب على الإرهاب، في الإعلام أساساً، ونسبياً على الأرض، من خلال التهليل الغربي والروسي للبدء بتحرير الفلوجة في العراق، والرقة في سورية. ليس الكلام في هذا الشأن جديداً، وإن يكن الجديد حجم الاستعدادات لخوض المعركة في كلا المدينتين والتأكيدات اليومية على استكمال لوجستياتها. ولأن للحديث سوابق كثيرة لدى أصحاب القرار في التنظير للحرب على الإرهاب، فإن شكوكاً لا بد من استحضارها اليوم، في ظل وقائع ومعطيات تؤشر إلى لا جدية مواجهة الإرهاب، سواء في سورية أو العراق. تنبع أولى الشكوك من كيفية التعاطي الغربي والروسي مع مواجهة الإرهاب. ليس خافياً أن هذه الحرب أديرت، ولا تزال، استناداً إلى مصالح هذه الدول وصراعاتها على مناطق النفوذ، بحيث شكل الإرهاب عنصراً في هذا الصراع، ودفعاً لفواتير دولية من الغرب تجاه روسيا أو من روسيا تجاه الغرب. لم تحسم الصراعات الدولية حتى الآن خصوصاً تلك المتصلة بمنطقة الشرق الأوسط، أو بأوكرانيا في أوروبا. كما لم يحسم الصراع على موارد الغاز والبترول وتوزيع الحصص ومناطق النفوذ. لذا يتصرف كل طرف في العراق وسورية في كون البلدين يمثل لهما الإرهاب والحرب الأهليه استثماراً جوهرياً في تعيين المطالب لكل طرف والضغط على بعضهما لتحقيقها، من دون الاهتمام بأن ذلك يتم على حساب الشعوب العربية ودمائها وبنيات بلدانها. ثاني الشكوك في هذه الحرب يأتي من عدم الحسم النهائي في تحديد قوى الإرهاب. في الوقت الذي يجمع الكل على تصنيف الدولة الإسلامية «داعش» في وصفها الأساس في التنظيمات الإرهابية، يجري تعاط مغاير لهذا التحديد على الأرض. في العراق، حيث تكاد الصورة تبدو أوضح، يختلط لدى التحالف التمييز بين داعش وبين مكونات الطائفة السنية، بحيث تبدو المعركة على داعش كأنها تريد استئصال المكون السني من مناطق محددة، بما يوحي بجراحات ديموغرافية تتصل بإعادة تشكيل العراق، بنى مجتمعية ومناطق جغرافية. أما في سورية، فالوضع أكثر تعقيداً، حيث تختلط على الأرض تنظيمات كثيرة من بينها داعش. الملفت للنظر حتى الآن، أن محاربة داعش لا تحظى سوى بجزء صغير من المعركة الدائرة هناك، حيث تتركز الضربات على الفصائل العسكرية المصنفة معتدلة والمناهضة بقوة للنظام، فيما تبدو الضربات شكلية على «داعش». يضاف إلى ذلك شكوك كبيرة حول علاقة «داعش» بالنظام والتسهيلات التي قدمها لهذا التنظيم، سواء عبر احتلال الرقة قبل سنوات أو احتلال تدمر، أو مساعدته في ضرب التنظيمات المناهضة للنظام. ثالث الشكوك في هذه الحرب، وهو بيت القصيد، يتصل بالموقف الغربي والروسي من إيران ومن النظام السوري. لم يعد خافياً الموقف الإيراني والتصعيد المذهبي الذي يمارسه، والتدخل في العراق وسورية وغيرهما تحت عنوان فاضح هو حماية مذهبية لقسم من السكان. هذا الموقف كانت له تداعيات، ولا تزال، في تأجيج الصراع المذهبي الذي يعود لخمسة عشر قرناً من الزمن، وهو تسعير يشكل حجر زاوية في التطرف الإرهابي الصاعد. في المعركة الجارية الآن، تتصرف إيران، من خلال تصريحات الولي الفقيه فيها وقادة الحرس الثوري، بأن تدخلها في العراق وسورية سيتواصل لأنه تدخل لحماية اقسام من شعوب هذه المنطقة. فهل نتوقع في ظل هذا التصعيد الإيراني والمترجم على الأرض ممارسات إرهابية من القوى والميليشيات التابعة لها، والتي لا تقل بشاعة عن ممارسات «داعش»، هل نتوقع التفافاً شعبياً من العراقيين حول قوى إيران في العراق؟ أم أن ردة الفعل ستكون مزيداً من احتضان «داعش» في وجه عمليات القتل والاقتلاع المذهبي التي تمارسها إيران وقواها؟ أما المسؤولية الغربية فتنبع من المراهنة الأميركية خصوصاً على دور إيراني مركزي في محاربة الإرهاب، وهو تصور يصب في الحقيقة في تغذية هذا الإرهاب واستفحاله، لأن الدور الإيراني إرهابي بامتياز على غرار «داعش» وسائر التنظيمات المتطرفة. تتكشف فضيحة محاربة الإرهاب، أيضاً، من خلال النظرة الروسية الأميركية المدعومة إيرانياً تجاه النظام السوري. هذا النظام هو المصدر الأساسي للإرهاب، في إطلاقه ورعايته وتوظيفه والاستثمار فيه. تكاد كل الاتصالات والمفاوضات حول الأزمة السورية تتقاطع عند الإبقاء على الرئيس الأسد وتكريس سلطته، مع إدراك كثيرين في المحافل الدولية ما يمثله هذا الشخص من موقع مركزي، لا تستقيم المعركة ضد الإرهاب من دون الإطاحة به وبالمجموعة الدائرة في فلكه. باختصار، تستحيل مواجهة الإرهاب أو التصدي لتوحشه من دون وضع حد للسياسة الإيرانية الممعنة في ممارسة إرهابها المذهبي على الشعوب العربية، خصوصاً في العراق وسورية، ولا معنى لمحاربة الإرهاب في وقت يجري تعويم الأسد ونظامه. خارج ذلك، الإرهاب سيتمدد وسيستفحل أكثر، عربياً وعالمياً. * كاتب لبناني