في سنوات طفولتنا، كنا نبحث بشغف عن شخصية فضولي المعروفة في مجلة “ماجد”، كانت مشاعر الفرح بنشوة الانتصار على “فضولي” وكشف موقعه تجعلنا نقهقه ونرقص فرحًا، ونُسارع لرسم دائرة عليه، كدليل عن كشف مكانه والفوز عليه. لم نعد أطفالاً، ولم نعد نفرح بوجود “فضولي” هنا أو هناك، بل إن الأمر لم يعد بحاجة إلى جهد للبحث عنه، فهو وقبيلته “أكثر من الهم على القلب” كما يُقال، أعدادهم لا تُحصى، وفي كل مكان، وبدلاً من أن نبحث عنهم هم من يبحثون عنا، هذا إن لم نكن أصلاً لا نغيب عن أعينهم، فيتربصون بنا، ويعرفون كل شاردة وواردة عنا، ولا أمزح إن قلت إنهم أحيانًا يعرفون أمورًا تتعلق بنا قبلنا!. نوصم نحن معشر الصحافيين بالفضول، ونُنعت أينما كنا بالفضوليين، ذلك صحيح ولا ننكر ذلك، فمهنتنا تُحتّم علينا أن نبحث هنا وهناك، فالصحافي إن لم يكن فضوليًا لن ينجح مهنيًا، ولكن مهلاً، فضولنا – الصحافيين – لا يعني أن نحشر أنوفنا في أمور لن تأتي علينا وعلى المجتمع بالمنفعة، فنحن نعرف أن نفرّق بين فضول سيقودنا لتقويم اعوجاج في المجتمع وبين التدخل في خصوصيات الآخرين بما ليس له داعٍ أو مبرّر، فلكل منا الحق في الاحتفاظ بخصوصيته التي يرتقي البعض منها لأن يكون أسرارًا يجب ألا يطلع عليها أحد، وإن كان فضول الصحافي مبررًا، فإنه ليس كذلك بتاتًا إن كان صادرًا من شخص لا هدف له إلا التدخل فيما لا يعنيه، ولا هدف له من الفضول إلا الفضول نفسه، مُسببًا الضيق والنفور والاستفزاز لمن حوله. فبعض الفضوليين سحبوا البساط من الصحافيين وتفوّقوا حتى على بعض وكالات الأنباء في البحث عن الأخبار ونشرها! أستغرب حقًا ممن تستهويها مراقبة الداخل والخارج من الجيران، وكأنها غير مسؤولة عن أسرة وأطفال، ولا تملك ما تشغل به وقتها غير أن فلانة خرجت الساعة الفلانية، ورجعت الساعة الفلانية، ومع من؟ وماذا كانت تلبس؟ وما الأغراض والحاجيات التي تحملها؟ ومن زارها؟ ولمَ لم تزرها فلانة؟ والكثير من الأسئلة التي قد تحوم وتجول في بال من نصبوا أنفسهم أبراجًا للمراقبة؟ ويغيب عن بالهم قول الله تعالى “وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا”! تذهب لإجراء معاملة، فيتلقفك فضولي آخر، لا يتركك إلا وهو جامع عنك ملفًا يصلح لأن يكون تقريرًا أو كتابًا لسيرتك الذاتية! ما الذي سيستفيد منه هذا الفضولي أو تلك الفضوليّة من نبش حياة الآخرين، ومعرفة كل صغيرة وكبيرة عن غيرهم! ولأن كل شيء تطوّر، فالتجسّس هو الآخر والفضول تطوّرا كذلك، فلا يتوانى الفضولي عن مراقبة الناس عبر برنامج “الواتس اب”! دخل البرنامج الساعة الفلانية، وخرج منها الساعة الفلانية، نام متى؟ واستيقظ متى؟ ولكي نهزم “فضولي” كما نفعل عندما كنا صغارًا، علينا بالصدّ المُباشر لكل سؤال خاص يتعدّى حدود الأسئلة العادية، أو تلك التي تُعتبر طبيعيّة تعارفيّة ربما، وذلك بثلاث كلمات فقط: “ليس من شأنك” لنغلق عليهم باب الفضول، ونرسم حولهم دائرة تخجلهم، ليرتدوا عن هذه العادة المقيتة.