أفضت الانتخابات البلدية في لبنان إلى نتائج غاية في الأهمية يمكن من خلالها استشراف شكل الخريطة السياسية اللبنانية وجس نبض توجهات الرأي العام في هذا البلد الذي مضى على شغور منصب الرئاسة فيه عامين وعشرة أيام. جاء اكتساح الوزير أشرف ريفي، وفوزه المفاجئ بمقاعد بلدية طرابلس التي تعرف بمدينة الفقراء، ليكشف عما يبدو أنه تغير في مزاج الشارع السني في لبنان تجاه زعاماته التقليدية في تلك المنطقة، فالتحالف الكبير الذي شُكل في طرابلس وتكون من البيوتات السنية المعروفة هناك (كرامي - ميقاتي) لينضم لهما الحريري، مني بهزيمة ساحقة قد يكون أحد أسبابها استخدام الخطاب الطائفي بوتيرة عالية في مدينة اشتهرت بالمماحكات الطائفية. في الانتخابات البلدية كل الزعامات اللبنانية اهتزت مواقعها، لكن صمدت وربحت السباق؛ بفضل التاريخ السياسي للزعماء وحجم المال الذي ضخ في الماكينات الانتخابية لبعض المرشحين وهو أمر ذو فعالية في المشهد الانتخابي اللبناني. هل تعطينا خسارة التحالف الكبير في طرابلس إشارة على تراجع الزعامات السنية التقليدية في منطقة بأهمية طرابلس؟ قد يكون، لكن قبل ذلك يجب معرفة كيف فاز الوزير أشرف ريفي، وهذا يحتاج إلى توسع وتفاصيل لا يمكن إدراجها هنا، الواضح كما قلنا أن الزعامات في لبنان تعيش على ما يبدو أزمة ثقة لكن ليست حادة، ويمكن تدراكها كما فعلت بعض الوجوه السياسية من القادة الحزبيين. على صعيد تيار المستقبل العمود الفقري لتحالف 14 آذار، يبدو أنه بحاجة إلى إجراءات تعيد الزخم السياسي له بعد أن خبا، فبسبب بعض المواقف التي بدرت من التيار، فقد انتج ذلك امتعاضاً على مستوى حلفائه وجماهيره، لكن لا شك أن التيار لا يزال مؤثراً بفضل قدرته على جذب الفعاليات السياسية، وكذلك استناده إلى إرث زعيم وطني بحجم رفيق الحريري - رحمه الله- المحبوب على مستوى جميع الأطياف في لبنان، وهذه زعامة لا يمكن تعويضها أو تصنيعها في يوم وليلة، وبالتالي عودة تألق المستقبل واردة، إذا ما توفرت عوامل تلك العودة التي تبدأ بالنظر إلى داخل التيار نفسه والتفاعل أكثر بالنزول بشكل مكثف على مستوى القاعدة الانتخابية التي اكتسبها والحفاظ على تحالفاته ومنع حدوث انشطار داخل جسم تيار المستقبل في ظل ظروف يبدو أنها تدفع باتجاه تكتلات واصطفافات لا تبشر بالخير على مستوى لبنان بشكل عام، وبالتالي يمكن أن يلعب التيار دوره المفترض كمظلة لقطاع عريض ومتنوع قادر على حفظ التوازنات السياسية في لبنان، في وضع بات أكثر حساسية مع مراوحة الفراغ الرئاسي وتعطل التنمية وافتقاد الخدمات، ووجود مستفيدين ومترقبين لاحتمالية انفراط عقد تيار المستقبل وبالتالي انهيار تحالف 14 آذار.