بعد الدقائق الخمس الأولى من فيلم « The Nice Guys » أو «الرجال اللطفاء»، يبدو للمشاهد المهتم بالفيلم، والملم بخلفية كاملة عن كاتبه ومخرجه شين بلاك، ومنتجه جويل سيلفر، أنهم تمكنوا من التقاط تلك الأجواء، التي اعتدناها في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي؛ عندما كانت سلسلة أفلام السلاح الفتاك بمثابة «مغناطيس» لجذب جماهير صالات العرض، نظراً للطريقة البارعة التي كانت تخلط بها «الأكشن» مع «الكوميديا». وإذا كان القارئ أصغر من أن يتذكر تلك السلسلة، فإننا نُذَكِّرهُ بفيلم «Kiss Kiss Bang Bang» عام 2005 لنفس الكاتب والمخرج المذكور آنفاً. شين بلاك اشتهر بتحدي نفسه؛ أي أنه يراهن على ممثل هبط مستواه بإعطائه دوراً يعود من خلاله إلى الجمهور، وقد نجح بلاك سابقاً مع روبرت داوني جونيور، وأعاده في الفيلم المذكور في الفقرة السابقة، والنتيجة أن مارفل اختارت الأخير، ليتقمص شخصية آيرون مان. هنا؛ في هذا الفيلم يراهن بلاك على راسل كرو، الذي هبط مستواه تدريجياً منذ عام 2010، ووردت تقارير تفيد بأن بلاك يفكر في إعادة النجم آرنولد شوارزينيغر في فيلم «المفترس» (Predator) عام 2018، وكما هو معروف فإن الأخير يتخبط بشدة، منذ خروجه من مكتب حاكم كاليفورنيا في 2011. لمشاهدة الموضوع بشكل كامل، يرجى الضغط على هذا الرابط. رهان شين بلاك اشتهر بتحدي نفسه؛ أي أنه يراهن على ممثل هبط مستواه بإعطائه دوراً يعود من خلاله إلى الجمهور، وقد نجح بلاك سابقاً مع روبرت داوني جونيور، وأعاده في فيلم” Kiss Kiss Bang Bang» ، والنتيجة أن مارفل اختارت الأخير، ليتقمص شخصية آيرون مان. • يعاني الفيلم ضعفاً في تماسك قصته المزدحمة بالأحداث والتفاصيل وقد يفقد المشاهد معه تركيزه • 1977 هو العام الذي يعود بنا الفيلم إليه وتحديدا إلى مدينة لوس أنجلوس. نعود إلى الدقائق الخمس الأولى من فيلم «ذا نايس غايز»، إذ يتضح تماماً أن المشاهد إما أن يعيش تجربةً ممتعة، أو عذاباً لمدة ساعتين تقريباً، حينما يعود بنا الفيلم إلى مدينة لوس أنجلوس عام 1977، بأسلوبٍ يُهيّج ذكريات المشاهدين الذين عايشوا تلك الفترة، أو قرأوا عنها، أو شاهدوها في السينما والتلفزيون. لدينا جاكسون هيلي (راسل كرو)، المحقق الخاص العنيف، المستعد لضرب أي شخص (خصوصاً المتحرشين) إذا كان السعر مناسباً، مقابله هولاند مارش (رايان غوسلنج في دور شبيه بالكوميدي الراحل لوو كوستيلو)، محقق خاص آخر مدمن كحول يعيش معاناة بعد وفاة زوجته، ومستعد لقبول أتفه القضايا، وتعينه ابنته المراهقة هولي (آنغوري رايس). القضية عن مقتل ممثلة تدعى ميست ماونتنز بعد اصطدام سيارتها بمنزل، بمجرد أن يبدأ المحققان العمل يكتشفان ارتباط هذه القضية بأخرى عن اختفاء فتاة تدعى إميليا (مارغريت كوالي)، التي تستعين بخدمات هيلي لإبعاد مارش عنها. بعد ذلك يفاجأ هيلي باعتداء رجُلَي عصابةٍ عليه، يريدان معرفة مكان إميليا، وعندها يدرك هيلي أهمية هذه الأخيرة، فيقرر التعاون مع المتردد مارش، للوصول إليها قبل العصابة، والكشف عن سر مقتل ماونتنز. يعاني الفيلم ضعفاً في تماسك قصته المزدحمة بالأحداث والتفاصيل قد يفقد المشاهد معه تركيزه، ويبدو أيضاً أن بلاك اهتم كثيراً بتكديس لقطات وحوارات وشخصيات، وأحياناً موسيقى، الغرض منها تذكير المشاهدين بحقبة السبعينات، ما تسبب من جهة ثانية في فقدان الفيلم للتوازن المطلوب، وكذلك انعدام التناسق، حيث إنه في الإجمال لا يتمكن تماماً من اختيار نبرته المناسبة. والتحفّظ هنا ليس على الجمع بين «الأكشن» و«الكوميديا» كما حدث في «السلاح الفتاك»، ولكن على أشياء من قبيل إقحام مشهد جاد وسط مشاهد تهريجية، الأمر الذي لم يكن «لائقاً». الفيلم كاد يخلو من لقطات الأكشن (ثلاث لقطات فقط)، فيما انصبَّ كل التركيز على الكوميديا، التي هي ليست كوميديا على كلِّ حال، فهي إما تنحدر للتهريج الشديد الذي لا يضحك سوى الأطفال، أو تعتمد على مواقف حصلت في لقطات أفلام سابقة، أي أن المشاهد غير المُلمّ بالأعمال السابقة لشين بلاك، أو تلك الأفلام التي عرضت في السبعينات والثمانينات والتسعينات، قد لا يفهم المقصود بالنكات. بل إن هناك لقطات قد تذكر بأفلام شاهدناها، أخيراً، وُضعت قصصها في سبعينات القرن الماضي. ناهيك عن لقطات تُذكِّر بالأحداث السياسية والثقافية، وأيضاً السينمائية، التي مرت على لوس أنجلوس في تلك الحقبة. ولو أردنا ضرب أمثلة بسيطة، فلعلنا نذكر لقطة تكدس السيارات عند محطة الوقود، وهي تُذكِّر بالحظر العربي على تصدير النفط على الدول الداعمة لإسرائيل. ظهور الممثلة كيم باسينجر في دور مسؤولة بوزارة العدل يذكِّر فوراً بدورها في فيلم «LA Confidential» عام 1997، وهو فيلم يدور في سياق هذا الفيلم نفسه تقريباً، «باسينجر ظهرت كأنها غير مقتنعة بالدور الصغير، وكانت في منتهى الجدية بعكس نبرة الفيلم». أما علاقة الفتاة هولي مع والدها مارش، ومساعدتها له في تفكيك قضية غامضة في لوس أنجلوس، فتعيدان إلى الذاكرة أفلام مثل «The Big Sleep» عام 1946، و«Chinatown» في 1974. ولا نريد التفصيل أكثر في هذا الجانب، وننهيه بالقول إن مشهد الهجوم بالسلاح الرشاش على منزل مارش، ليس سوى تذكير بالمشهد نفسه في فيلم السلاح الفتاك 1 و4. أعمال شين بلاك السابقة (كتب السلاح الفتاك، وأخرج آيرون مان)، تجعل من الصعب على المشاهد أخذ هذا الفيلم على محمل الجد، خصوصاً أن الفيلم نفسه لا يأخذ نفسه بجدية بسبب كثرة المواقف الهزلية. لا يمكن مقارنة شخصيتي شين بلاك في هذا الفيلم (مارش وهيلي)، بشخصيتيه في السلاح الفتاك (ريغز ومورتو)، إذ إن الشخصيتين الأخيرتين جادتان أكثر من نظيرتيهما، والعنف في السلاح الفتاك يتمتع ببعض الواقعية، مقارنة بالعنف الهزلي في هذا الفيلم. كذلك فإن بلاك يلعب على التناقضات، إذ إنه يجمع راسل كرو ورايان غوسلينج، ليتفاعلا معاً، وهما مُمثلان اشتهرا بأدوار شخصيات «البطل الأوحد». شخصية إميليا بعيدة جداً عن الواقعية، إذ من المستحيل تصديق أن فتاة مراهقة في سنها تعلم خبايا المؤامرات التي تحدث في المدينة، وهي نفسها مطاردة من قبل عصابة تريد فيلماً بحوزتها. ذا «نايس غايز» فيلم غبي، حتى لو اعتقد صانعوه أنه ذكي، ولا سبب لوجوده سوى مشاهد النوستالجيا التي استحدثها شين بلاك، وبدل أن يكون في مصاف أفلام السلاح الفتاك، فإنه يميل أكثر إلى أفلام التهريج Spoof films، التي صنعها ديفيد زوكر وجيم أبراهامز، ومَثَّلها الراحل ليزلي نيلسون في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي. يعود الفضل إلى شين بلاك في تجديد أفلام الأكشن من صنف «الشرطيان المتشاكسان» في حقبة الثمانينات، والتي استمرت في التسعينات، وتراجعت بعد الألفية، إلا أن قرار بلاك نفسه صنع فيلم «ذا نايس غايز» يعد مبادرة من الرجل نفسه، لإعادة تلك الأفلام إلى الساحة مجدداً، وسنشهد مزيداً من أفلام هذا الصنف في السنوات المقبلة.