هل يمكن أن يحصل كاتب أدب أطفال على جائزة نوبل للآداب؟، بعض قصص الأطفال احتلت في مكانة رفيعة جداً في عالم الأدب، رواية الأمير الصغير مثلاً صنفت ضمن المئة عمل الأروع في كل العصور، لكن غير أن جائزة نوبل التي سعت إلى توسيع آفاقها ودرء شبهة الانحياز عن نفسها لم تتوقف بعد مرة عند كاتب أدب أطفال. ويعتقد البعض أنه ربما كان يجدر بها أن تتوقف عند استريد ليندجرين، كاتبة الأطفال السويدية، التي ولدت في بداية القرن العشرين، وماتت في بداية القرن الحادي والعشرين، وأمضت نصف عمرها تقريباً، الذي امتد 94 عاماً في كتابة قصص الأطفال، 145 مليون نسخة من مؤلفاتها بيعت، وترجمت إلى نحو 76 لغة. وكتعويض ربما من الحكومة السويدية عن تجاهل اسم استريد في قوائم نوبل أنشأت جائزة خاصة باسمها هي الأكبر في مجال الكتابة للطفل، هي تقريباً نوبل أدب الطفل، إذ تتجاوز قيمتها المادية 700 مليون ألف يورو. من مؤلفات استريد ليندجرين التي اهتمت بترجمتها إلى العربية ونشرها دار المنى نقرأ قصة كارلسون على السطح، مع الرسوم الخالدة لإيلون فيكلاند، والنص العربي لسكينة إبراهيم. تدور أحداث القصة في شارع عادي في ستوكهولم، في بيت عادي حيث تعيش عائلة عادية. عائلة إريكسون، أب عادي والأم عادية وأبناؤهما الثلاثة عاديون جدا. (أنا لست عاديا) يعترض إريك دائما. لكن كارلسون على السطح ينقذ الحياة من عاديتها. كارلسون ليس عادياً، هو رجل صغير الحجم جداً، سمين ومستدير وواثق من نفسه، ويطير بلا طائرة. يقوم بكل بساطة بتشغيل زر عند بطنه، فيبدأ المحرك الصغير الفعال المثبت عند ظهره بالعمل. يجلس في الأمسيات على عتبة باب بيته المبني فوق السطح، يدخن الغليون ويراقب النجوم. نكتشف أن كارلسون يبالغ كثيراً، ويكذب أحيانا، وأنه شره، بل جشع ومتحايل عندما يتعلق الأمر بالحلوى خاصة التوفي، وشقي ويجيد تدبير المقالب، فالمرء، مهما اختلفت الظروف، لا يرى كل يوم رجالاً صغاراً وسماناً يطيرون أمام نافذته. يورط كارلسون اريك في المشاكل، أولاً يخرب لعبة القاطرة البخارية، ثم يتسبب في إشعال حريق صغير، ويختفي تاركاً إريك يواجه اللوم على أفعاله، وعندما يخبر إريك عائلته بأن الفاعل هو كارلسون يظنونه يتحدث عن صديق خيالي. إن كارلسون كما سنرى في القصة هو أفضل رفيق لعب. وفي حال أنه لم يكن واقعياً فهو أجمل وهم في العالم. لكن كارلسون واقعي جداً، وسيتعرف إليه من سخروا من إريك وظنوا أنه من نسج خياله، ويكون وقع المفاجأة عليهم مضحكاً، كما أنه سيواصل حياته في قصص الكاتبة استريد ليندجرين قبل أن ينتقل إلى المسرح والرسوم المتحركة. برغم أن إريك ولد أشقر، وبرغم أنه يمتلك غرفة خاصة بستائر بيضاء ويحلم باقتناء كلب، هذه التفاصيل يفترض أن تجعله اسكندنافيا ثلجيا وبعيدا عن طفولة ملايين الأولاد عبر العالم إلا أنه يبدو في القصة قريباً منهم جميعاً، واحداً منهم جميعاً، بفضل الروح الطفولية النابضة في الكتابة. كلما كان مذاق الطعام كريها اصبح أفيد من غيره. لماذا يحشون ما لا نستسيغ أكله بكل الفيتامينات؟ هذا ما أود معرفته. يتساءل إريك. وفي سره تساءل إن كانت هناك أي فائدة في متابعة هذا النقاش العقلاني، أو لعله من الأحسن أن يلكم كريستوفر مباشرة على عينيه ويسودها. أغمضي عينيك ماما قال إريك عندما وضعت الأم صينية القهوة على الطاولة الصغيرة قرب المدفأة. لماذا تريدني أن أغمض عيني؟ ترددين دائماً أنك لا ترغبين في رؤيتي آكل السكر، وأشعر الآن بحاجة ماسة إلى قطعة منه. هذه الروح الطفولية البريئة التي أخلصت لها استريد ليندجرين لعلها هي حبل مؤلفاتها السري الذي أمدها بالحياة وربما الخلود. حنان جاد