رغم ما سبق من مبادرات لحل القضية الفلسطينية، فإن المبادرة الفرنسية تمثل أهمية كبيرة في هذا التوقيت المفصلي، حيث أصبحت معظم الأطراف الدولية راغبة في حل القضية ولديها مصلحة في إنهاء أطول صراع في التاريخ الحديث. وفيما تشكل المبادرة التي ترفضها إسرائيل وتتهمها بالانحياز للفلسطينيين، مناسبة جديدة بعد الاتفاق النووي مع إيران و"مجموعة 5 + 1" لتأكيد إصرار المجتمع الدولي على اكتشاف سبل جديدة للسلام في الشرق الأوسط والعالم، يأتي الإجماع العربي على هذه المبادرة كرسالة واضحة إلي المجتمع الدولي بأن العرب يريدون سلاما حقيقيا وهو ما يعد سببا كافيا للانصات لهم باهتمام. كما يأتي التأييد العربي للمبادرة الفرنسية ليؤكد القبول بفكرة إطار دولي للحل، بدلا من الانفراد الأميركي بفرض الحلول علي الفلسطينيين دون الإسرائيليين، لا سيما بعد توقف المفاوضات المباشرة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي قرابة السنتين منذ فشل "مبادرة جون كيري". توقيت المبادرة الموافقة العربية على المبادرة الفرنسية جاءت لسبب آخر مهم هو "التوقيت" الذي تزامن مع تشكيل حكومة ائتلافية في إسرائيل يغلب عليها الطابع اليميني المتطرف، كذلك غياب أميركي حتمي للانشغال بالانتخابات الرئاسية، ثم بعد أقل من عام ستجري الانتخابات الرئاسية الفرنسية، مما يعني أنها آخر مبادرة مهمة في عهد حكومة الرئيس فرنسوا هولاند. طبيعي أن تضغط فرنسا علي الطرف الأقوى في الصراع وهو "إسرائيل" وتلك هي سمة كل المبادرات السياسية الدولية. أضف إلى ذلك أن تقرير اللجنة الرباعية ليس في صالح نتانياهو لأنه يتضمن العديد من الانتقادات، وفي مقدمتها "الاستيطان"، كما أن رصيد الثقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين انتهي تماما، لذا فإن الفلسطينيين بحاجة إلي وسيط ودعم دولي وليس مفاوضات ثنائية مباشرة كما تريد إسرائيل وأميركا. إعادة القضية لمسارها علي الرغم من أن المبادرة الفرنسية تتجنب مسألة اللاجئين وحق العودة فإنها تسلط الضوء مجددا علي القضية الفلسطينية وسط كل الأجواء المعتمة في الشرق الأوسط، وهي الأجواء التي تستغلها إسرائيل جيدا للترويج بأن قضية فلسطين هي مجرد قضية "لاجئين" وهي – حسب زعمها – قضية بسيطة جدا مقارنة بأعداد اللاجئين السوريين مثلا في السنوات الخمس الأخيرة 2011 – 2016. الأخطر من ذلك أن "نتانياهو" طالب فرنسا صراحة – حتى يقبل بالمبادرة الفرنسية – وكنوع من التنصل منها، أن يعترف الفلسطينيون بـ"يهودية دولة إسرائيل"، مما يعني أن يعترف الفلسطينيون بأنهم لا حق لهم سواء في القدس أو في فلسطين بالمطلق، ناهيك عن وجودهم التاريخي منذ آلاف السنين. تنازلات مؤلمة كل محاولات نتانياهو لرفض المبادرة الفرنسية هي من أجل تغييرها حتى تنسجم مع الشروط والمطالب الإسرائيلية، لذا فإن الدعم العربي لها فوت الفرصة علي نتانياهو للتهرب من استحقاقات ملزمة، وهذا ما يفسر مخاوفه الحقيقية من المرجعية الدولية. فالمفاوضات الثنائية المباشرة – كما تريدها أميركا وإسرائيل - تجعل نتانياهو يفرض شروطه عبر ميزان القوى المختل أصلا على الأرض. ووفقا لوجهة النظر الإسرائيلية فإن فرض حل أحادي الجانب "بدون مفاوضات أصلا" يحقق أهداف تل أبيب بشكل أفضل وأقل كلفة، لأن أي استحقاق للسلام وأي تسوية سياسة حقيقية تفرض "تنازلات مؤلمة" من الطرفين مع عوامل دولية أخري مساعدة، ومن ثم فإن المبادرة الفرنسية التي أيدتها الدول العربية تفتح مسارا جديدا لحل القضية الفلسطينية يؤدي إلى تسوية سياسية تحقق الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية في ترسيم الحدود، وإنهاء بناء المستوطنات، وتقسيم القدس، وحق العودة.