بعد أن كرست كل متاحف مقاطعة النورماندي، شمال غربي فرنسا، قاعاتها للاحتفاء بالرسامين الانطباعيين، طوال العام الماضي، ها هو متحف مدينة «روان» يفتح أبوابه لعرض مجموعة مختارة من لوحات رينوار ومانيه وكايبوت، وغيرهم من الفنانين الذين ابتكروا، في القرن التاسع عشر، مدرسة جديدة تستلهم جمالات الطبيعة بالدرجة الأولى. إنها الدورة الثالثة لاحتفالية «الانطباعية في النورماندي». فمن المعروف أن عددًا من رسامي هذه المدرسة اختاروا الإقامة في قرى المقاطعة التي تنافس قرى الجنوب الفرنسي في جمالها وروعة طبيعتها. وجديد هذا المعرض أنه لا يكتفي بتلك الرسوم التي تغنت بالطبيعة الثرية للريف الفرنسي، بل يركز على اللوحات الداخلية، أي تلك التي تصور المنازل والأثاث المخملي، والسيدات بثيابهن الطويلة المزينة بالدانتيلا، وحليهن المرصعة بالأحجار الكريمة، وقبعاتهن العائدة لطراز الزمن الماضي. وتبتعد نحو 100 لوحة عن مشاهد الحقول وشواطئ البحار، وتعكس الحياة اليومية للبرجوزاية، وعاداتها في اللبس، وآداب المائدة، وتقاليد الاستماع إلى الموسيقى. كما نرى أوضاعا متنوعة لنساء يطالعن كتبًا، أو يجلسن إلى طاولات الزينة ويمشطن شعرهن أمام المرايا، أو يستلقين للاستراحة والتأمل. وهناك أيضًا لوحات تصور حلقات الرقص، وحفلات الأوبرا، والأعياد التي كانت تقام موسميًا في الأسواق، ومواعيد القطاف أو الحصاد. لذلك، لم يكن غريبًا أن تحتفي مقاطعة النورماندي بهؤلاء الفنانين، وتحتضن المتحف المخصص لهم، وتواصل تنظيم المعارض التي تستعير فيها أشهر لوحاتهم، سواء من متاحف العاصمة، أو من المجموعات الخاصة. وفيما يخص المعرض الحالي، الذي يستمر حتى الـ26 من سبتمبر (أيلول) المقبل، فإن كثيرا من لوحاته جاءت من متاحف عالمية في روسيا والولايات المتحدة، كما أنه لا يقتصر على الأعمال الزيتية، بل يقدم تخطيطات وصورا ومراسلات وقصائد، فقد كتب الشاعر بودلير: «حين أتأمل لوحة تمثل امرأة حسناء، فإنني أشعر بجهد الرسام، لا لتصوير ما يراه، بل لاستكناه ما هو مخفي عن ناظريه أيضًا».