تمكن فرع تنظيم القاعدة داخل سوريا من تجنيد آلاف المقاتلين، بينهم مراهقون، والسيطرة على مناطق من أيدي القوات الحكومية في هجوم ناجح شنه شمال البلاد، ما يكشف كيف أن وقف إطلاق النار الذي فرضته روسيا والولايات المتحدة لإضعاف المسلحين، أتى بنتائج عكسية في الكثير من الجوانب. ونشر فرع «القاعدة» في سوريا المعروف باسم «جبهة النصرة» سيلاً من مقاطع الفيديو المصممة على نحو يشبه فيديوهات غريمها تنظيم داعش، تباهت خلاله بجهودها في مجال التجنيد بحسب تقرير لوكالة (أسوشييتد برس). في واحد من هذه المقاطع المصورة، يظهر صف من الشباب في انتظار خوض تدريب قتالي. وفي فيديو آخر، يظهر مقاتل ملتح من «القاعدة» داخل أحد المساجد يحث حشدًا من الرجال على الانضمام للجهاد. ويكشف آخر عن احتفال تخرج يقوده رجل دين على صلة بـ«القاعدة» ويتولى خلال الاحتفالية توزيع أسلحة على شباب. من جهته، أوضح رامي عبد الرحمن، رئيس «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، أنه منذ مارس (آذار)، جند التنظيم 3000 مقاتل جديد، بينهم مراهقون، مقارنة بمتوسط تراوح بين 200 و300 شهريًا من قبل. وأشار إلى أنه حصل على هذه المعلومات من مصادر داخل «جبهة النصرة». وقال نشطاء آخرون أن المئات ممن يعيشون بمعسكرات المشردين بالشمال، انضموا إلى «جبهة النصرة». ومع هذا، فإن عددًا من المراقبين أشار إلى أن النجاحات التي حققتها الجبهة بميدان القتال واجتذابها مقاتلين جددا دفع إلى السطح توترات كانت كامنة داخلها حول النهج المستقبلي لها. من ناحية، يرغب تيار متشدد بالجبهة في محاكاة الغريم الرئيس لـ«القاعدة»، تنظيم «داعش» وإعلان قيام خلافة إسلامية بالمناطق الخاضعة لسيطرة «جبهة النصرة»، وهي خطوة لطالما رفضتها «القاعدة» لرغبتها في عدم إقصاء نفسها عن حلفائها داخل المعارضة السورية. من ناحية أخرى، هناك تيار آخر داخل «جبهة النصرة» يفكر بأسلوب سوري ويرغب في التركيز على إسقاط رئيس النظام السوري بشار الأسد، وكسر الروابط مع «القاعدة». يذكر أن «جبهة النصرة» لطالما شكلت واحدة من أقوى الفصائل المقاتلة في سوريا. وتسيطر هي وعدد من الفصائل السورية المسلحة، بينها بعض الجماعات المتحالفة معها، على غالبية أجزاء إقليم إدلب شمال غرب البلاد، وأجزاء من إقليم حلب المجاور. وعندما توسطت موسكو وواشنطن لإقرار وقف إطلاق النار بين الأسد وجماعات المعارضة في فبراير (شباط)، جرى استثناء «جبهة النصرة» و«داعش»، ما سمح لقوات الأسد والضربات الجوية الروسية والأميركية بالاستمرار في قصف الجماعتين. وجاء هذا على أمل أن تنبذ الجماعات المسلحة الأخرى كلا من «جبهة النصرة» و«داعش» المتطرفتين. إلا أنه بدلاً من ذلك، تداعى وقف إطلاق النار في غضون أسابيع مع خوض قوات الأسد قتالاً ضد فصائل حول الأجزاء التي تسيطر عليها المعارضة في حلب، في الوقت الذي انهارت فيه محادثات السلام في جنيف. وشكل هذا دفعة لمصداقية «جبهة النصرة» باعتبارها الجماعة التي ظلت على صمودها في وجه الأسد، رافضة أية تسوية تبقيه في السلطة. وبدلاً من أن تتعرض للنبذ من قبل جماعات المعارضة الأخرى، جذبت «جبهة النصرة» إليها ائتلافا حمل اسم «جيش الفتح» الذي شن مؤخرًا هجومًا مضادًا حول حلب، وبالفعل نجح في السيطرة على أراضٍ من قبضة قوات الأسد وحلفائهم وإلحاق خسائر فادحة بها، من بينها قتل العشرات من أعضاء قوة «الحرس الثوري» الإيرانية النخبوية، وقرابة 30 من أعضاء ما يسمى «حزب الله» اللبناني المتحالفين مع الأسد. ويأتي هذا التحالف كمحاولة لإحياء تحالف آخر نجح في القتال ضد قوات النظام وسيطر على إدلب، قبل أن ينهار العام الماضي. كما يخوض هذا التحالف قتالاً ضد تنظيم داعش الذي أظهر قدرته على المضي في تحقيق مكاسب رغم الخسائر الفادحة التي طالته، جراء الضربات الجوية الروسية والأميركية. يذكر أن مسلحي «داعش» نجحوا في السيطرة على سلسلة من القرى من أيدي فصائل المعارضة، بينها أعضاء في تحالف «النصرة»، قرب الحدود الشمالية من حلب مع تركيا. من جهته، قال جميل صالح، قائد «تجمع العزة»، وهي جماعة مسلحة تدعمها واشنطن، إن «جبهة النصرة» تكسب مجندين لصفوفها بسبب عدم ضغط المجتمع الدولي لإسقاط الأسد خلال محادثات السلام، الأمر الذي أضر بصورة الفصائل المعتدلة التي وافقت على خوض المفاوضات. وقال صالح: «من المستحيل أن تدخل فصائل المعارضة في هذه المعركة (ضد جبهة النصرة) طالما بقي بشار في السلطة». من جهته، أعرب توماس جوسيلين، المحرر لدى «لونغ وور جورنال» والذي يراقب أوضاع «القاعدة» منذ فترة بعيدة لحساب مؤسسة «ديفنس أوف ديمكراسيز» الفكرية والتي يوجد مقرها في الولايات المتحدة، عن اعتقاده بأن: «سوريا أصبحت تشكل الآن الجبهة المركزية للقتال الذي تشنه «القاعدة». ولا أعتقد أن الكثيرين يدركون مدى ضخامة الموارد التي استثمرتها «القاعدة» في سوريا. ويلاحظ أن التحالفات التي بنتها «القاعدة» مع فصائل سوريا معارضة أخرى شكلت عاملاً محوريًا وراء نجاحها. ويأتي هذا على النقيض من تنظيم داعش الذي أعلن عن إقامة خلافة بالمناطق الخاضعة لسيطرته في سوريا والعراق، ويعتبر أي شخص لا يقبل حكمه كافرًا. وعليه، دخل «داعش» في معارك ضد الفصائل المسلحة السورية الأخرى، ومنها «جبهة النصرة»، فاقت في عددها تلك التي خاضها ضد قوات الأسد. ورغم أن المتشددين داخل الجماعة يضغطون من أجل هذا، فإنه من غير المرجح أن تعلن جبهة النصرة خلافة في المناطق التي تسيطر عليها، لأن من شأن هذا أن يستدعي مزيدًا من الغارات الجوية، ويتسبب بإبعاد حلفائها الذين قد يتوحدون ضدها في تلك الحالة، بحسب علي صوفان، وهو عميل سابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي «إف بي آي»، يقود الآن مجموعة صوفان غروب، وهي شركة خاصة تعمل في مجال تقييم المخاطر. وبدلاً من هذا، وبدعم من قيادة القاعدة، يعمل زعيم جبهة النصرة أبو محمد الجولاني، على ما يبدو، من أجل إبقاء فصائل الجماعة موحدة خلف سياسة أكثر براغماتية تركز على إبقاء الحلفاء بجانب الجماعة، بدلاً من السعي وراء أجندة آيديولوجية. وقال صوفان إن «جبهة النصرة» وزعيم القاعدة أيمن الظواهري «لديهما تخوف حقيقي... من أن يتعرضا لطعنة في الظهر من قبل مجموعات مثل (أحرار الشام) أو (جيش الإسلام)». ويواصل قادة «جبهة النصرة» الذين ينتهجون نهجًا براغماتيا العمل على تعزيز صفوفهم في الشمال، بحسب ناشط سوري يقوم بالتغطية من الخطوط الأمامية، ويعمل بشكل وثيق مع معظم جماعات المعارضة، بما في ذلك جبهة النصرة. وجرى مؤخرًا تهميش متشدد بارز، كنيته «أبو جليبيب» من قيادة جبهة النصرة مؤخرًا، بحسب هذا الناشط. على أن أصحاب الأصوات الأكثر تشددًا داخل التنظيم يتمتعون بنفوذ أكبر في بعض المناطق، على حد قول الناشط. وأشار إلى المعارك الأخيرة في معقل المعارضة الشمالي في معرة النعمان، حيث طرد مقاتلو «جبهة النصرة» فصيلاً معارضًا مدعومًا من الولايات المتحدة يعرف بـ«الفرقة 13»، واستولى على أسلحته. وطلب الناشط عدم ذكر اسمه مخافة أن يخسر مصادره. * قادة بارزون في «القاعدة» وصلوا إلى قيادة «النصرة» يستفيد الجولاني من تدفق عناصر القاعدة المخضرمين الذين ينضمون إلى جبهة النصرة – رغم أن هذا يعرضهم لأخطار النزاع السوري. وتجدر الإشارة هنا إلى أن رفاعي أحمد طه، وهو متشدد مصري ويحمل خبرة عقود من العمل مع الشبكة الإرهابية، قتل في غارة جوية أميركية في أبريل (نيسان) . غير أن هناك آخرين ممن يشغلون مواقع قيادية. وعلى سبيل المثال، ظهر أحمد سلامة مبروك، وهو مصري ومن منتسبي أيمن الظواهري لوقت طويل، في فيديو لجبهة النصرة من سوريا في مارس، ويعتقد الآن بأنه جزء من قيادتها المركزية. وفي رسائل المتشددين على الإنترنت ما يوحي بأن واحدا من أكبر قادة «القاعدة» وأكثرها غموضًا، وهو سيف العدل، موجود في سوريا، على حد قول موقع «ذا لونغ وار جورنال»، الذي يعمل على رصد الجماعات المتطرفة.