أكد بعض رجال الدين ومحامون وعلماء نفس أن جريمة تزوير المحررات لها آثار سلبية عديدة على الفرد والمجتمع والاقتصاد وغيره، لافتين الى انها تعتبر من أكثر وسائل التزوير التي يلجأ إليها المجرمون لتحقيق أهدافهم، حيث عملت شتى التشريعات الجنائية على تجريم أفعال التزوير، فيما قال النقيب محمد جاسم الخدري رئيس شعبة الجرائم المالية بالإدارة العامة لمكافحة الفساد والأمن الاقتصادي والالكتروني إن الإدارة باشرت 114 قضية تزوير في محرر رسمي وخاص منذ مطلع العام الجاري. وفي هذا السياق، قال الدكتور محمد المقداد أستاذ علم النفس بجامعة البحرين إن التزوير يؤثر في الفرد تأثيرًا سالبًا، لأنه يضيع حقوق الناس، فالمزور يأخذ حقا ليس له، وقد يكون حق شخص آخر وهو ظلم غير مقبول، مشيرا الى ان داء التزوير يؤثر في كل جوانب البلد الذي ينتشر فيه ويتفشى، ومن الجوانب التي تتأثر بالتزوير اقتصاد البلد، وإذا كان التزوير يؤثر في الأفراد فسيؤثر في الاقتصاد بطريقة غير مباشرة، فالأفراد هم العمود الفقري للاقتصاد، وإذا ما تأثر الأفراد سيتأثر الاقتصاد بذلك. وذكر ان انعكاسات التزوير على الوظائف العامة والخاصة لا يمكن أن تكون إلا سلبية، وإن من أهم أسس النجاح في الوظائف العامة والخاصة هو الاختيار السليم للأفراد ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وأن من يتقلد وظيفة ما تزويرا لا شك يدمر تلك الوظيفة، ويعمل من وراء ذلك على تدمير نفسه، لا يمكن للوظيفة التي أخذت تزويرا أن تحقق الأهداف المرجوة منها. وشدد على أن التربية تسهم في وقاية الفرد من الانخراط في هذه الجريمة، وقال ان الدور الذي تلعبه مؤسسات التنشئة الاجتماعية وعلى رأسها الأسرة بالغ الاهمية في هذا الجانب، إذ يجب أن ينبه الآباء أبناءهم بمخاطر التزوير والأضرار التي يلحقها بالمجتمع وما تسببه من آثار سلبية عليه، لذلك من الضروري تنبيه الأبناء لذلك، وان يكون الآباء القدوة والأنموذج الحسن لهم. أما فيما يتعلق بأسباب لجوء الأشخاص للتزوير فذكر منها: الأسباب الذاتية، وهي التي ترتبط بطبيعة بعض الأشخاص الذين يميلون إلى التزوير، الأسباب البيئية وأهمها انتشار التزوير في المجتمعات، بحيث يصبح أمرا عاديا بين الناس، الأسباب القانونية، خاصة عندما ينتهي أو يتوقف عقاب من يقوم بهذه الأعمال، إذا كان العقاب قاسيا، ويقدم في وقته، فمن الممكن أن ينتهي التزوير أو على الأقل يقل إلى حد كبير. سلوك مشين بدوره، أشار الشيخ صلاح الجودر خطيب جامع الخير بالمحرق الى أن هناك مصطلحين يدلان على التلاعب بالأوراق، الأول هو (التزييف) وهو عمل صورة طبق الأصل للشيء، وهذا النوع يستخدم في نسخ الأوراق النقدية، وذلك بهدف الغش، وقد اتسع نطاقها اليوم في غسيل الأموال، أما الثاني وهو المقصود هنا (التزوير) وهو العبث في الأصل من الأوراق والوثائق من أجل الغش والاحتيال، وأساليبها هو التوقيع بطرق احتيالية، على الشيكات، الوصية، العقود، الأوراق الثبوتية، المخطوطات، الشهادات العلمية وغيرها كثير، وكلا الأمرين (التزييف والتزوير) الهدف منه تغير الأصل بالإضافة أو الشطب أو التعديل بهدف تحقيق مكاسب بطرق غير مشروعة. أما بخصوص حكم التزوير في الإسلام، فقد ذكر أنه: هو التحريم بنص الكتاب والسنة والإجماع، فقد قال تعالى: (فاجتنبوا الرجس من الأوثان واجتنبوا قول الزور) الحج: 30، وقال في صفة المؤمنين (والذين لا يشهدون الزور) الفرقان: 72، أما السنة فقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه: (ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟) قالوا: بلى يا رسول الله، قال: (الإشراك بالله وعقوق الوالدين) وجلس وكان متكئًا ثم قال: (ألا وقول الزور) فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت، أما الإجماع فقد أجمعت الأمة على أن شهادة الزور من المحرمات وأنها من الكبائر، وفي ذلك قالت أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها: (ما كان خلق أبغض إلى الرسول من الكذب، ولقد كان الرجل يكذب عنده الكذبة فما تزال في نفسه حتى يعلم أنه قد أحدث منها توبة). وأضاف بأنه من المعلوم أن الدين الإسلامي قائم على الأخلاق الحميدة، فالمعاملات والعلاقات بين الناس تقوم على الصدق والأمانة، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بالطرق السليمة والأساليب المشروعة، ولكنه مع الأسف يقع بعض الناس في السلوكيات المشينة، ومنها التزوير لتحقيق بعض المصالح بالغش، ما يؤثر في أمانة الفرد، وسوء العلاقة بالمجتمع، الأمر الذي يؤدي إلى ظهور آفات آخرى مثل السرقة والاختلاس واستغلال الناس، وجميعها أمور محرمة بالدين، لذا على الفرد ان يحذر من الوقوع في مثل تلك المسالك، فإنه يخسر الدنيا والآخرة. جرائم التزوير من جانبه، أشار النقيب محمد جاسم الخدري رئيس شعبة الجرائم المالية بالإدارة العامة لمكافحة الفساد والأمن الاقتصادي والالكتروني الى أن الإدارة تختص بمكافحة شتى أنواع الجرائم المالية مثل جرائم الاحتيال وجرائم إعطاء الشيكات من غير رصيد وجرائم تزييف العملات وجرائم التزوير في المحررات الرسمية والخاصة وغيرها، كما يتم استقبال القضايا ذات الاختصاص، إما عن طريق المبلغ شخصيًا بحضوره الشخصي إلى الإدارة العامة أو أن يحضر محام كوكيل عنه أو عن طريق إحالة القضية من النيابة العامة أو أحد مراكز الشرطة أو عن طريق التحريات التي تقوم بها الإدارة، حيث يتم القبض على الجناه متلبسين أثناء قيامهم بجريمة التزوير في المحررات الرسمية أو الخاصة وغيرها من الجرائم المالية، مضيفًا ان الهدف من التزوير عادة هو ان يتحصل المجرمون على قروض بنكية أو الاستفادة من خدمات بعض شركات الاتصال أو الحصول على سجل تجاري بمستندات مزورة، ويكون التنسيق عادة من قبل شخص متمكن في تزوير المحررات الرسمية والخاصة، بحيث يرتكب المجرم عمليات التزوير اغلب الاحيان في: ورقة القارئ للبطاقة الذكية، نسخة الإقامة من الجواز، شهادة راتب حساب أحدى الشركات أو الوزارات، كشف حساب من أحد البنوك بمملكة البحرين، تزوير الشهادات الطبية الصادرة من الأطباء، التزوير في علامات تحقيق الوفاة أو الوراثة أو الوصية، انتحال اسم الغير أو إعطاء بيان كاذب عن محل الإقامة في تحقيق ابتدائي أو انتهائي. وأشار إلى أن الإدارة تقوم بعقد محاضرات توعوية بشكل دوري ومستمر لموظفي القطاع العام والقطاع الخاص للتعريف بمخاطر الجرائم المالية والتزوير وغيرها، اضافة الى نشر القضايا المستحدثة والإعلانات التوعوية في الجرائد اليومية والإذاعة والتلفزيون ومواقع التواصل، لنشر الوعي المجتمعي بهذه الجرائم، لافتا الى انه بإمكان الجمهور الاستفسار من الضباط المختصين عن اية معلومة في هذا الجانب من خلال الاتصال الهاتفي. وأوضح أن عدد قضايا التزوير في المحرر الرسمي والخاص التي باشرتها إدارة مكافحة الجرائم الاقتصادية بلغت 114 قضية منذ مطلع العام الجاري، في حين بلغت 145 قضية خلال عام 2015م، مشيرا الى ان ابرز قضايا التزوير التي تصدت لها إدارة مكافحة الجرائم الاقتصادية مؤخرًا قضايا تزوير عدد من الشهادات الدراسية وتقليد الأختام الرسمية لمملكة البحرين، وتزوير في المحررات الخاصة وكشوف لحسابات بنكية. العقوبات من ناحيته، تحدث المحامي عبدالرحمن يعقوب الشوملي عن جريمة التزوير في المحررات وفقًا للمنظور القانوني، حيث اكد ان المشرع البحريني عرف في مرسوم بقانون رقم ( 15 ) لسنة 1976 جريمة التزوير وفقًا للمادة 270 التي تنص على ( تزوير المحرر هو تغيير الحقيقة فيه بإحدى الطرق المبينة فيما يعد تغييرا من شأنه إحداث ضرر، وبنية استعماله كمحرر صحيح). ومن طرق التزوير ذكر منها: أي تعديل بالإضافة أو الحذف أو غيرهما في كتابة المحرر أو الأرقام أو الصور أو العلامات الموجودة فيه، وضع إمضاء أو ختم مزور أو تغيير إمضاء أو ختم أو بصمة صحيحة، إساءة استعمال الإمضاء أو الختم أو البصمة، الحصول بطريق المباغتة أو الغش على إمضاء أو ختم أو بصمة لشخص لا يعلم مضمون المحرر على حقيقته، اصطناع المحرر أو تقليده، ملء ورقة ممضاة أو مختومة أو مبصومة على بياض بغير إقرار صاحب الإمضاء أو الختم أو البصمة، انتحال الشخصية أو استبدالها في محرر أعد لتدوينها، تحريف الحقيقة في محرر حال تحريره فيما أعد لتدوينها. وبشأن عقوبتها قال: لقد حدد المشرع البحريني عقوبة التزوير وفقًا لنص المادة 271 عقوبات (يعاقب على التزوير في محرر رسمي بالسجن مدة لا تزيد على عشر سنوات ويعاقب على التزوير في محرر خاص بالحبس وذلك كله ما لم ينص القانون على خلافه). ويرى أن المشرع شدد العقوبة على الأطباء والقابلين لأنفسهم أخذ عطايا أو مزايا مقابل أعطاء شهادة أو تقرير أو بيان مزور، عملًا بنص المادة 273 عقوبات (يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنين كل طبيب أو قبل لنفسه أو لغيره عطية أو مزية من أي نوع أو وعدا بشيء من ذلك لإعطاء شهادة أو بيان مزور بشأن حمل أو ولادة أو مرض أو عاهة أو وفاة أو غير ذلك مما يتصل بمهنته مع علمه بذلك)، كما نصت المادة 274 عقوبات ( يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين أو بالغرامة التي لا تجاوز مائتي دينار من قرر في إجراءات تتعلق بتحقيق الوفاة أو الوراثة أو الوصية أمام السلطة المختصة بأخذ الإعلام أقوالا غير صحيحة عن الوقائع المرغوب إثباتها وهو يجهل حقيقتها أو يعلم أنها غير صحيحة وذلك حتى ضبط الإعلام على أساس هذه الأقوال)، وعملًا بالمادة 275 عقوبات (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين أو بالغرامة التي لا تجاوز مائتي دينار من انتحل اسم غيره أو أعطى بيانا كاذبا عن محل إقامته في تحقيق ابتدائي أو نهائي)، كذلك نصت المادة 276 عقوبات ( يعاقب بالعقوبة المقررة لجريمة التزوير بحسب الأحوال من يستعمل المحرر المزور مع علمه بتزويره ويعاقب بالعقوبات ذاتها بحسب الأحوال من استعمل محررا صحيحا باسم شخص غيره أو انتفع به بغير حق). وقال: ولما كان من المقرر في الفقه القانوني بيّن أنه اشترط لقيام جريمة التزوير أن يتوافر بها القصد الجنائي العام، وهو اتجاه إرادة الجاني مع إدراكه أنه يغير الحقيقة في المحرر بإحدى الطرق المنصوص عليها في القانون، وأن من شأن هذا التغيير حصول ضرر ومن ثم فإذا ثبت عدم علم المتهم بأنه يغير الحقيقة فلا جريمة. وحيث إن مناط رسمية الورقة هو أن يكون محررها موظفًا عامًا مختصا بمقتضى وظيفته بتحريرها وإعطائها الصيغة الرسمية أو التدخل في تحريرها أو التأشير عليها وفقا لما تقتضيه القوانين واللوائح أو التعليمات التي تصدر إليه من جهة عمله. وقد اتجه الفقهاء إلى أن التزوير في المحررات هو تغيير الحقيقة بقصد الغش في محرر سواء كان رسميا أو عرفيا بإحدى الطرق التي نص عليها القانون تغييرا من شأنه أن يسبب ضررا للغير، وبذلك فان التزوير لكي يتحقق لا بد من أمرين: الأول تغيير الحقيقة، والثاني أن يقترن هذا التغيير بإحداث الضرر. المصدر: تحقيق: فاطمة زيد الزايد