أصبح أمرا عاديا جدا أن تسمع أحد الأطفال يتلفظ بشتائم قبيحة أمامك في المطعم أو الشارع أو حتى المنزل، بينما ينفجر والداه في الضحك والطلب منه إعادة الشتيمة لتتمكن الأم من تصوير اللحظة وتوثيقها لزميلاتها على (سناب الشات) لكي يشاركنها الانفجار ضحكا، بينما أنفجر أنا خيبة لسبب بسيط جدا وهو أن هؤلاء الأطفال لن يستطيعوا بأنفسهم التخلص من سلوك الشتائم في المستقبل، وبالتالي لن يصبحوا جيلا يعتمد على أخلاقه دون تربية صحيحة، دون تعب، دون جدية في التعامل والتوجيه. كتبت ذات مرة عن أقدم الألعاب المعروفة لديكم بالتأكيد التي تعمل على تقليد الأصوات، التي ظهرت على الأجهزة الذكية باسم «القطِّ الناطق» أو ما يسمّى برنامج Talking Tom Cat، وهي عبارة عن قط اسمه «توم» ما أن تقوم بالتحدث معه حتى يقوم بتقليد صوتك بشكل مضحك، وما أن تقوم بحك بطنه أو رأسه حتى يصدر صوتا وحركة معبِّرة. ومنذ سنوات حين ظهرت هذه اللعبة لأول مرة.. كنتُ في الطائرة أراقبُ ثلاثة أطفال من جنسية أجنبية يلعبون مع «توم» على جهاز الآيباد، ويسألونه: (هاي توم!! كيف حالك! ماذا تحب أن تكون حينما تكبر؟...) بينما تفاجأتُ منذُ وصولي للسعودية بأنني لم أصادفُ طفلا يسأل «توم» عن حاله، ولا مستقبله، فرغم أنه (قط) إلا أنهم كانوا ينادونه غالبا (يا كلب)، بل لم يكن «توم» المسكين يتلقى شيئا سوى الشتائم، بالإضافة إلى ضربه في الخاصرة والأماكن الحساسة وصفعه على وجهه وظهره حتى يستمتعوا بسماع تأوّهاته وتوجُّعاته. في الحقيقة تبهدل «توم» لدينا بهدلة (ما لها داعي)، وما تسوى على هذا «التوم» الصراحة، فلو علم مخترع اللعبة بما سيجري لقطه الحبوب من قبل بعض الأطفال، لفضّل أن يشنقه ويجهضه قبل أن يولد في بيئة تعتبر الشتيمة مزاحا وتشجع عليه. ينسى الآباء أن ((سبابُ المسلم فسوقٌ)) ويستمرون في الكركرة مع «توم» وتكليبه وتحميره ولعنه واهانته باعتبار أن هذه اللعبة لم تخلق إلا لذلك، بينما زيادة الأمر عن حده بهذا الشكل تستوجب على العائلات أن تمارس نوعا من الرقابة الذاتية على ألفاظها، كونهم القدوة الحقيقية التي تتعامل مع الآخر كانسان، أو حتى التي تتعامل مع «توم» كإحدى الألعاب غير الذكية التي تردد ما يقولونه وما تمليه عليه تربيتهم، فلم تعد الأخلاق تنكشف في ساعة الشدّة كما يقول المثل، في هذا الزمن حتى الألعاب والنكات تجعل التربية التي تلقاها الطفل مكشوفة وواضحة للعيان.