متابعة - صفاء العبد: يبقى الريان علامة فارقة فعلاً في موسم الكرة المنتهي، فما حقّقه في دوري النجوم لكرة القدم لم يكن ليتوقعه الكثيرون، فمن النادر جداً أن نجد فريقاً قادماً من الدرجة الثانية ليكتسح الفرق الكبيرة بالطريقة التي فعلها الريان قبل أن يحقق ما كان يبدو صعباً جداً وهو العودة إلى منصة التتويج والفوز باللقب الذي غاب عن خزائنه طوال (21) عاماً. وفي الحقيقة فإن ما حدث في هذا النادي الكبير خلال هذا الموسم إنما يمثل انتفاضة حقيقية على ذلك الواقع الذي عانى منه الفريق لفترة طويلة على صعيد منافسات الدوري رغم أنه سبق أن توج بلقبه سبع مرات قبل المرة الثامنة هذه، ولعل الحكمة التي تقول "رُب ضارة نافعة" تنطبق هنا تماماً على الكتيبة الريانية، فما حدث للفريق قبل موسمين، عندما هبط للمرة الثانية في تاريخه إلى الدرجة الثانية، كان يبدو هو الحل فعلاً لكي يستعيد الفريق بريقه ويعود إلى دوري الكبار أقوى من السابق بعد أن يكون قد استفاد فعلاً من الدرس القاسي ذاك. وفي الحقيقة فإن هذا هو ما حدث بالضبط، حيث كانت التحضيرات في أعلى درجاتها وعلى طريقة خلية النحل التي قادت في النتيجة إلى بناء فريق متكامل ويتمتع بكل المزايا التي تؤهله لخوض منافسات الدوري بالمستوى الذي يليق باسم الريان ويتفق مع مهمة محو كل تلك الخدوش التي سبق أن شوهت صورته في مواسم خلت عندما ظل عاجزاً عن تحقيق تطلعات جمهوره الكبير المتعطش للقب بطولة الدوري. من هنا البداية وليس من شك في أن النجاح الكبير الذي حققه الريان في دوري هذا الموسم كان قد انطلق من ذلك القرار الذي تم بموجبه الاستعانة بالمدرب الأورجوياني جورج فوساتي لقيادة الفريق، فكلنا نعرف من هو فوساتي وما هي مؤهلاته، وكلنا نتذكر ما حققه من إنجازات يوم عمل مع السد بمناسبتين ليقوده إلى أكثر من إنجاز كان من بينها احتكار كل الألقاب في موسم واحد، الدوري وكأس الأمير، وكأس ولي العهد، وكأس الشيخ جاسم، في عام 2007 إلى جانب قيادته إلى الفوز بلقب دوري أبطال آسيا 2011، ومن ثم الحصول على المركز الثالث في بطولة العالم للأندية. من هنا تحديداً جاءت قناعاتنا بأن الريان قادم إلى دوري الكبار بكل قوة، ثم تعمق هذا الإحساس من خلال الخيارات السليمة جداً لمحترفي الفريق والتي جاءت بالتأكيد وفق قناعات فوساتي نفسه، حيث تم التعاقد مع لاعبين بمواصفات عالمية مثل المهاجم الإسباني سيرجيو جارسيا قائد فريق إسبانيول السابق والمدافع الأورجوياني جونزالو فييرا القادم من بينارول في الأورجواي، ولاعب الوسط الدولي الكوري الجنوبي كو ميونج، ومن ثم زميله في وسط الملعب الباراجواني كاسيريس لاعب فلامنجو البرازيلي السابق، وهو ما يعني أن فوساتي قد نجح في توزيع قوة الفريق على خطوطه الثلاثة، حيث وضع فييرا إلى جانب ناثان، وموسى هارون في خط الدفاع الثلاثي، بينما اعتمد في منطقة العمليات على لاعبين من الطراز الثقيل وهما كاسيريس، وكو ميونج، بينما راهن في الأمام على اللاعب المهم القادم من لخويا سبستيان سوريا ومن خلفه لاعبان يمكن أن يثيرا الرعب في قلوب دفاعات أي فريق، وهما جارسيا، وتاباتا، ولم يقف الأمر عند هذا الحد وإنما كانت المراهنة تمتد أيضاً إلى عدد مهم من اللاعبين المحليين المتميزين أمثال حامد إسماعيل، ومحمد جمعة، وموسى هارون، ومحمد علاء، وأحمد علاء، والشقيقين عبدالحميد وعبدالمجيد عناد، وفهد خلفان، وعبدالرحمن الكربي، ويونس يعقوب، وفابيو سيزار، وغيرهم من اللاعبين الآخرين الذين سجلوا نجاحاً كبيراً في تعاملهم مع فوساتي وفي تفهم طريقة عمله وتطبيق أفكاره، ليكون ذلك بالتالي هو المفتاح الذي قاد إلى مثل هذا الإنجاز. كلمة السر الحقيقية وإلى جانب حسن الاختيارات تلك، فإن ما ساعد فوساتي أيضاً في مهمته هذه هو معرفته الدقيقة بواقع أنديتنا وفرقنا القطرية، بل ومعرفته بالعديد من لاعبي تلك الفرق بحكم السنوات التي أمضاها مع السد ومع العنابي أيضاً. وليس سراً عندما نقول إن فوساتي كان هو كلمة السر الحقيقية في الإنجاز الرياني هذا خصوصاً أنه لا يعتمد على كفاءته التدريبية فقط وإنما على نجاحه في التعامل النفسي مع لاعبيه وكيفية استقطابهم وبالتالي تأجيج روح الحماسة لديهم ودفعهم لتقديم أفضل ما لديهم إلى جانب حرصه على أن يكون فريقه متكاملاً ليس على مستوى اللاعبين الأساسيين فقط بل والبدلاء الذين غالباً ما يتمتعون بإمكانات قريبة من إمكانات الأساسيين، الأمر الذي يجنب الفريق الوقوع في أي مطبات قد تحصل نتيجة غياب لاعب أو اثنين لسبب أو لآخر. وبقدر ما نركز هنا على دور فوساتي فيما تحقق للريان بقدر ما نؤكد على الدور الفاعل جداً الذي لعبه جمهوره الكبير الذي وقف خلف فريقه مؤازراً بكل قوة منذ بداية الموسم ليكون ذلك من بين عوامل النجاح الرئيسية، خصوصاً أننا جميعاً نعرف طبيعة الجمهور الرياني الذي يتمتع بأعلى درجات الانتماء لفريقه وناديه. وهكذا جاءت مسيرة الفريق إيجابية جداً على مستوى الدوري، حيث أنهى القسم الأول بـ"12" انتصاراً في "13" مباراة، إذ لم يخسر سوى مرة واحدة، وكانت أمام السد، قبل أن يعود إلى القسم الثاني ويواصل نجاحاته حتى الجولة (21) التي شهدت فوزه العشرين ليتوج بطلاً قبل النهاية بخمس جولات، وهو ما لم يحققه فريق غيره في تاريخ الدوري كله، مسجلاً في ذلك رقماً قساسياً يضاف إلى أكثر من رقم قياسي آخر انفرد به هذا الموسم، وكان من بينها تحقيق أكبر فوز في تاريخ البطولة، وذلك عندما تغلب على نادي قطر بتسعة أهداف نظيفة. الحلو لا يكتمل ! ولأن "الحلو لا يكتمل" مثلما يقولون فإن مسيرة الفريق بدت وكأنها قد توقفت عند هذا الحد في هذا الموسم خلافاً لكل تلك التوقعات التي كانت تذهب إلى أن فوساتي ماضٍ بالريان بنفس الطريقة التي فعلها مع السد يوم احتكر كل الألقاب في موسم واحد، فكل المؤشرات كانت تذهب إلى أن من الصعب جداً إيقاف المد الرياني المتدفق بكل قوة هذا الموسم، غير أن المفاجأة سرعان ما ظهرت لتمد لسانها للجميع عندما انقلبت صورة الفريق تماماً بعد التتويج مباشرة، حيث تراجعت إمكانات الفريق بطريقة غريبة لينهي الجولات الخمس الأخيرة دون أي فوز بعد أن مني بثلاث هزائم مع تعادلين.. ومع ذلك قلنا إن الفوز المبكر باللقب كان قد أصاب اللاعبين بشيء من التراخي وأن الأمر سيختلف في بطولتي كأس قطر، وكأس سمو الأمير، غير أن الذي حصل هو أن التراخي والتراجع استمرا مع الفريق ليخرج من نصف نهائي كأس قطر بخسارته أمام لخويا (1 - 3)، ثم يودع كأس سمو الأمير من الدور نصف النهائي بخسارته أمام السد (2 - 3)، وهو ما حرمه من فرصة نموذجية للجمع بين بطولتين على الأقل في موسم واحد. وهنا نشير إلى أن كل الآراء كانت قد اتفقت على أن المشاكل المالية والإدارية التي عانى منها الفريق عقب التتويج بلقب الدوري كانت هي السبب فيما أصابه من تراجع، وبالتالي فإنها هي التي أضاعت عليه وعلى الجمهور الرياني حلم الثنائية التاريخية.