الدوحة - قنا: ثمن صندوق النقد الدولي "التدابير الطموحة" التي اتخذتها دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لضبط الأوضاع المالية هذا العام في مواجهة التراجع الحادّ في أسعار النفط، داعياً في الوقت ذاته إلى تكثيف الجهود بغية تخفيض العجز على المدى المتوسط من أجل إعادة الاستمرارية للأوضاع المالية العامة، وضمان قدرة القطاع الخاص على خلق فرص عمل كافية للشباب بعد أن أصبحت قدرة القطاع العام محدودة. جاء ذلك في التقرير الصادر أول أمس الاثنين عن صندوق النقد الدولي حول مستجدات آفاق الاقتصاد الإقليمي (منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان) . وقال التقرير إن انخفاض أسعار النفط واحتدام الصراعات تشكل عبئاً على النشاط الاقتصادي في المنطقة حيث تمّ تخفيض آفاق النمو بدرجة كبيرة في معظم الدول المصدرة للنفط منذ أكتوبر 2015، وأبدى في الوقت ذاته تفاؤلاً بإمكانية ارتفاع معدّل النمو في الدول المصدرة للنفط من 2% عام 2015 إلى 3% هذا العام وذلك بسبب زيادة إنتاج نفط العراق ورفع العقوبات عن إيران. وفيما يتعلق بدول مجلس التعاون شدّد التقرير على ضرورة إجراء "إصلاحات هيكلية عميقة" لتحسين الآفاق متوسطة الأجل وتيسير التنوّع الاقتصادي وتوخي "منهج استباقي" في معالجة هذه التحديات التي يفرضها ركود أسعار النفط. أما بالنسبة للدول المستوردة فأشار التقرير الدولي إلى أن العام الجاري شهد تعافياً في النشاط الاقتصادي لتلك الدول ( مصر - الأردن - لبنان - موريتانيا - المغرب - السودان - تونس - باكستان - جيبوتي وأفغانستان) فقد زاد النمو من 3% في الفترة من 2011- 2014 إلى 3.75% عام 2015 ومن المتوقع أن يظل النمو حول هذه النسبة في العامين الحالي والمقبل. وأرجع التقرير هذا التعافي إلى 3 أسباب هي: انخفاض أسعار النفط وتراجع الأعباء المالية المعوقة وتحسن الثقة بفضل التقدّم في مسارات الإصلاحات الأخيرة. وتشير توقعات صندوق النقد الدولي الواردة في ثنايا التقرير إلى أن الايرادات النفطية سوف تشهد ضعفاً خلال السنوات المقبلة ما سيقلل بشكل كبير من قدرة الحكومات على الإنفاق، فقد انخفضت عائدات الصادرات في البلدان المصدرة للنفط في المنطقة بمقدار 390 مليار دولار عام 2015 (17.5% من إجمالي الناتج المحلي). ورغم تعويض هذا الانخفاض جزئياً بسبب انخفاض أسعار السلع الأولية "غير النفطية " لكن المؤشرات تتجه نحو تسجيل عجز متوقع لدول مجلس التعاون والجزائر هذا العام بنسبة 8% تقريباً من إجمالي الناتج المحلي يصل إلى 12.75% نهاية العام، في حين يصل العجز لدى بقية دول المنطقة المصدرة للنفط (العراق - ليبيا - اليمن) لنحو 4.75% وسيبلغ 7.75% مع نهاية العام الجاري. وبشأن الإجراءات (التصحيحية) في السياسة المالية للدول المصدرة للنفط، قال التقرير إن الجانب الأكبر من التصحيح تمثل في تخفيض الإنفاق أو السحب من الاحتياطات الوقائية أو الاقتراض، لافتاً إلى أنه يتم النظر حالياً في إيجاد مصادر جديدة للإيرادات. وأشار صندوق النقد الدولي في تقريره إلى أن إجراءات التصحيح المالي للدول المصدرة ستستدعي حتماً الاختيار بين بدائل صعبة منها: إعادة النظر في حجم ودور القطاع العام، وخفض الإنفاق العام الذي زاد خلال الطفرة النفطية، وفي حالة دول مجلس التعاون فإن فاتورة الإنفاق تزيد على فاتورة الأجور بمقدار الضعف مقارنة بالأسواق الصاعدة والدول النامية الأخرى الأمر الذي يتطلب تصميم نظم ضريبية ذات أوعية واسعة. ومع ذلك، فمن المتوقع ارتفاع معدّل النمو الكلي في البلدان المصدرة للنفط في المنطقة إلى 2.9% في عام 2016 يزيد إلى 3.1% عام 2017 مقارنة بـ 1.9% في العام الماضي وذلك نتيجة النشاط الاقتصادي "غير النفطي" في اليمن وليبيا والعراق وإيران. والمتوقع حالياً أن يصل النمو "غير النفطي" في دول مجلس التعاون إلى 3.25% على مدى الأعوام الخمسة القادمة وهي نسبة أقل كثيراً مما تمّ تسجيله في الفترة من 2006-2015 وقدرها 7.75%.