من أسوأ وظائف الإعلام قدرته على صناعة الأوهام الكاذبة وتداولها بين الناس وإذا كان ذلك في السابق يمر عبر إستراتيجيات وأساليب بعيدة المدى وبالغة التعقيد حتى تتسلل وتصبح ظاهرة اجتماعية، فإن ثورة فضاء الإعلام الاجتماعي جعلت من صناعة الوهم أسرع من صناعة الجاهليين لأصنام التمر التي إذا شبعوا عبدوها وإذا جاعوا أكلوها!! السعوديون شعب متدين بطبيعته على اختلاف أنماط حياتهم وقربهم وبعدهم من الدين السامي إلا أن الصفة الحميدة المشتركة التي تجمعهم هي غيرتهم الدينية العالية بغض النظر عن مدى التزامهم الظاهري بمعنى وجوهر التدين، ولذلك تم استغلال تلك الغيرة والعاطفة الدينية أسوأ استغلال بحيث أراد البعض قولبة وتأطير اختلافاتهم الاجتماعية ووجهات نظرهم المختلفة في كل ما يتعلق بالأدب والثقافة والاقتصاد والتنظيم السياسي والاجتماعي والإداري لمصالح الناس العامة من منظور إقصائي يقوم أولاً على صناعة الوهم بوضع الآخر المختلف في الجهة المقابلة المعادية دوماً للإسلام السامي وللشريعة السمحة ثم إطلاق التهم عليهم مع تغليفها بتوصيفات ووسوم غير موجودة أصلاً سوى في أذهان من يلقون التهم جزافاً!! وهكذا يستمر استنزاف حيوية المجتمع والناس من قبل صانعي الأوهام ومبددي الأحلام التي تصنع مستقبل الأمم والشعوب، بإطلاق التهم جزافاً والصفات والتيارات اعتباطاً من غير دليل واحد على وجودها أصلاً فضلاً عن الحكم بخيريتها أو شرها، فمنذ أكثر من ثلاثين عاماً تمت شيطنة ما يدعى الحداثة والحداثيين بأسوأ صورة وأقذع لفظ حتى تصور معظمنا أن هؤلاء مرسلون فقط لهدم القرآن الكريم وتحريف الكلم عن مواضعه! ثم اكتشفنا أن القضية لغوية أدبية لا تتجاوز قصيدة شعر! لم يرفع سوط الحداثة إلا والمجتمع يضرب بسوط آخر أو بالأحرى أوهام أخرى لتشويه أي محاولة تفكير أو إصلاح سعت إليه النوايا الصادقة في لغة فضة تجهل المجتمع وتجيش على الحكومة وتضع الجميع تحت ضغط المدان حتى تثبت براءته! ولأن السعوديين إلى جانب غيرتهم الدينية لديهم ربما صفة أخرى مغايرة للدين وهي الفتنة بالقبيلة والتعصب لها، نحت صانعو الأوهام مصطلحهم المستفز لكل منتم للدين أو للقبيلة بأن جمعوا كل المختلفين معهم في سلة وهم واحدة أطلقوا عليها قبيلة بني ليبرال وهي قبيلة لا وسم ولا نسب ولا صفة عين ولا مكان يمكن تحديدها لها سوى أنها تشمل كل السعوديين الذين يمكن أن يختلفوا معك في أي قضية لها علاقة بالشأن العام، فضلاً عن أن تكون قضية لها علاقة بتفسير ديني متعدد وفق مبادئ الشريعة السمحة. ومهما صرخت وقلت أن لا ليبرالية في بلادنا كمفهوم وكمعطى بغض النظر عن قبول أو رفض الليبرالية ذاتها لأن شروط وجودها منتفية أصلاً فإن صانعي الأوهام سيستمرون في صنع هذا الإطار لمخالفيهم بغض النظر عن تأييدك أو عدم تأييدك، ثم رمي كل هؤلاء في قبيلة كبيرة تريد أن تفتك بنا، وأن كل من يؤيد موقفاً من مواقف هذه القبيلة سواء كان فرداً أو جماعة أو حكومة هو منتم قطعاً لهذه القبيلة ولا يسعه حتى التبرؤ منها! فأنت عزيزي القارئ تنتسب لقبيلة بني ليبرال الموهومة لو كنت ترى بقبول وجود مسرح أو سينما أو ترى فائدة كبرى من الابتعاث أو تسعى لإيجاد وظيفة لأختك أو رياضة في مدرسة ابنتك أو رخصة قيادة لزوجتك... إلخ فإن وافقك شيء من ذلك فاحذر أن يلبسك أحد أياً كان (طاقية) قبيلة بني ليبرال فإن للابسيها حكاية أخرى سنكتبها في ذات المكان الأسبوع القادم بإذن الله..