أصدر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان (جنيف) والشبكة السورية لحقوق الإنسان (لندن)، تقريرا مشتركا تناول ظاهرة عمالة الأطفال من سوريا في الأردن، الذين وصل عددهم، بحسب التقرير، إلى أكثر من 60 ألفا، يعانون ظروفا قاسية لا تتوقف عند تدني الأجور أو العمل لساعات طويلة وشاقة، بل تمتد إلى تعرضهم أحيانا للاستغلال والعنف وظروف العمل الخطرة، مع ضعف في الرقابة والمساءلة الحكومية. وقال التقرير، الذي جاء بعنوان «رهَق الصغار: عمالة أطفال سوريا اللاجئين في الأردن»: إن «51.4 في المائة من مجموع اللاجئين السوريين في الأردن، والبالغ عددهم 1.3 مليون، هم أطفال، بمجموع 668 ألف طفل، إضافة إلى أن 41 في المائة من مجموع اللاجئين من فلسطينيي سوريا في الأردن، والبالغ عددهم 16 ألف لاجئ، هم أطفال أيضا، بمجموع 6560 طفلا». وبين التقرير الحقوقي الأوروبي، استنادا إلى المعلومات التي جمعها عبر مقابلة الأطفال العاملين، وعائلاتهم، ومشغليهم، من خلال زيارات ميدانية لأماكن عملهم، والتواصل مع الجهات الرسمية وغير الرسمية ذات الصلة بعمل الأطفال اللاجئين، أن الأسباب التي تقف وراء عمل أطفال سوريا في الأردن متعددة، منها ارتفاع تكاليف المعيشة، حيث تصنف العاصمة الأردنية عمان بأنها الأغلى في الشرق الأوسط، فيما لا تشمل المساعدات النقدية المباشرة المقدمة من المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) سوى قرابة 10 في المائة فقط من مجموع اللاجئين، وتعاني كثير من العائلات فقدان المعيل، حيث إن 30 في المائة من الأسر الفلسطينية السورية في الأردن تعيلها نساء. وبجانب ذلك، لفت التقرير إلى أن أرباب العمل يرغبون في تشغيل الأطفال السوريين في الأردن؛ لأنهم يقبلون بأجور أقل بكثير، مع عدم قدرة المدارس على استقبال الأعداد الكبيرة من الطلبة في الأردن حاليا بسبب الطفرة الهائلة في أعداد اللاجئين، حيث هناك أكثر من 90 طفلا في الأردن لا يتلقون أي نوع من التعليم، منهم 60 ألف طفل خارج المدارس. ولفت التقرير، الذي يأتي مع اقتراب اليوم العالمي لمكافحة عمل الأطفال يوم 12 حزيران يونيو (حزيران)، إلى أن هؤلاء الأطفال يعانون ظروفا قاسية أثناء ممارستهم العمل. فإضافة إلى ظروف الاضطهاد في بلادهم، والتي قادتهم إلى اللجوء إلى الأردن، يجبر هؤلاء الأطفال على العمل لساعات طويلة تتجاوز 8 ساعات يوميا، كما أن 80 في المائة منهم لا يحصلون على إجازات، وذلك في مقابل أجور متدنية تتراوح بين 90 و150 دينارا أردنيا للشهر الواحد (127 - 211$)، أي أقل بكثير من الحد الأدنى للأجور في الأردن. وذكر التقرير، استنادا إلى إحصاءات دولية، أن 36.9 في المائة من عينة شملت 368 طفلا من السوريين العاملين في الأردن، قالوا إنهم تعرضوا لإصابات عمل استدعت تدخلا طبيا، فيما أفاد 24 في المائة من الأطفال الذين يعلمون في مخيم الزعتري (أكبر مخيمات اللجوء في الشرق الأوسط وثاني أكبر مخيم في العالم)، بأنهم لم يتقاضوا أجرا مقابل عملهم، وذكر 15 في المائة أنهم تعرضوا لعنف جسدي أثناء ممارسة العمل. وعلى الصعيد الرسمي، قال التقرير: «إن الأردن استقبل أعدادا كبيرة من اللاجئين بسخاء، غير أن حكومة المملكة الأردنية لم توقع على اتفاقية جنيف الخاصة باللاجئين (1951) حتى الآن، فيما وافقت، ضمن مذكرة خاصة، على عمل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين (UNHCR) على أراضيها، وعلى مبدأ عدم طرد اللاجئين، شرط أن تكون تكاليف إعاشتهم على المفوضية، ويعامل السوريون معاملة الأجانب، وليس بصفتهم لاجئين، فيما يتعلق بحق العمل». وأشار كل من المرصد الأورومتوسطي والشبكة السورية في التقرير المشترك إلى أنه رغم أن قانون العمل الأردني قد نص على عدم جواز تشغيل الأطفال دون 16 عاما؛ انسجاما مع توقيع الأردن على اتفاقية حقوق الطفل، والتي تنص على حق الطفل في الحماية من الاستغلال الاقتصادي أو أداء أي عمل يرجح أن يكون خطيرا، وتحديد السن الأدنى للعمل، إلا أن ذلك «لم ينعكس في الواقع، بسبب ضعف الرقابة الحكومية في التطبيق وغياب المفتشين الخاصين بضبط عمالة الأطفال، إضافة إلى عدم وجود عقوبات فاعلة على من يقوم بتشغيل الأطفال أو استغلالهم». وأوصى التقرير في ختامه الحكومة الأردنية بتخصيص مفتشين للكشف عن حالات عمالة الأطفال، وفرض عقوبات رادعة بحق أصحاب العمل الذين يقومون بتشغيل الأطفال واستغلالهم، مع إصدار إحصاءات سنوية لتسهيل متابعة أزمة عمالة الأطفال في الأردن، إضافة إلى تسهيل إجراءات منح إذن العمل للأيدي العاملة السورية، ورفع الحظر عن المهن المغلقة أمام العمالة الأجانب - على الأقل في نطاق خدمة اللاجئين لأنفسهم - وبناء صفوف دراسية جديدة، مع إيجاد فرص تعليم مهني بديل، ومعاملة فلسطينيي سوريا في الأردن أسوة بأقرانهم من السوريين.