راودتني هذه الخاطرة؛ والعطلة المدرسيَّة السنويَّة لصيف هذا العام 2016 لدينا قد تُقارب أربعة أشهر، أربعة أشهر خارج الصفوف لطلبة المدارس عطلة طويلة جدًّا، تُخوِّلها لدخول موسوعة جينز العالميَّة مهما كان السبب؛ تزامنها مع مواسم شهر الصيام والحج، ودرجات حرارة مرتفعة! تبقى الأولى في تعداد أيَّام العطل المدرسية من بين مدارس العالم، وإذا كان ممَّا لابدَّ منه، فيجب اغتنامها لتزويد الطالب في عطلته المدرسيَّة بنشاطاتٍ معرفيَّة مُتعدِّدة ومتنوِّعة تضيف إلى حصيلته العلميَّة خلال المائة والخمسين يومًا الدراسية؛ لتنمية مداركه وزيادة معلوماته عن بلده وتراثها، وعن الفرص المتاحة له عندما يُنهي تعليمه ويدخل معترك الحياة. ففي اليابان مثلًا، الأمَّة التي سبقت غيرها في العلوم والتقنية، وتميَّز طلَّابها بتفوُّقهم العلمي والإنساني، يُداوم طلبتها في مدارسهم قرابة الثلاثمائة يوم سنويًّا، ويتمتَّعون بإجازة صيف لا تتجاوز الخمسين يومًا تبدأ مع السادس من يونيو وتنتهي في الخامس والعشرين من يوليو. تتخلَّلها أنشطة غير إجبَّارِيَّة تثري معرفتهم وتنمِّي مداركهم يشارك فيها غالبيَّة الطلبة ليكتسبوا خلالها الثقة بالنفس، ويتدرَّبون على تحمُّل المسؤوليَّة وإعلاء قيمة الحوار وتقبُّل آراء الآخرين، وتكوين اتجاهات ذات بناء علمي سليم لمستقبلهم بعد التخرُّج، وذلك عن طريق برامج متنوِّعة لمجموعات من مختلف مدارس اليابان، بزيارة المصانع والشركات والمراكز الكبرى التي رفعت مكانة بلدهم عاليًا في مجالات العلوم والمعرفة والاقتصاد كافَّة بقصد التعرُّف إلى طريقة سير العمل فيها، وما قد تتيحه لهم من فرص عمل بعد تخرُّجهم. من الطلبة من يلتحق ببرامج زيارة للبعثات الدبلوماسيَّة الأجنبيَّة في طوكيو وقنصليَّاتها في العديد من المدن اليابانية للتعرف إلى طبيعة العمل الدبلوماسي والوقوف على ما يربط اليابان بتلك البلدان سياسيًّا واقتصاديًّا وثقافيَّا، والتزوُّد بمعلومات عن تلك البلدان وتاريخها وتراثها وثقافتها. بهذا لا تكون إجازة الصيف عندهم -على قِصَرِ مدَّتها- مدعاة للكسل والخمول، أو لتضييع الوقت بما لا يعود عليهم ولا على بلدهم بالنفع. وهنا أعود للضَّارَّة النافعة، وأرى في خطَّة «عشرين ثلاثين» التي رسمت حكومتنا الرشيدة معالمها فائدة قصوى في محاكاة تجربة اليابان وتجارب غيرها من الدول المتقدِّمة لتمكين طلبتنا من إثراء معرفتهم عن بلدهم مترامية الأطراف وعن طريق رحلات ميدانيَّة للمواقع الأثريَّة والصناعيَّة فيها، وكلِّ ما يُرشدهم بطمأنينة إلى ما ينتظرهم من مستقبلٍ واعدٍ بكلِّ الخيرِ. ومهما كانت ثروات البلد الطبيعيِّة قيَّمةً، يبقى الفردُ أثمنَ ما يملك الوطن.