اتفقت الولايات المتحدة وروسيا، أمس، على تشديد الضغوط من أجل إنقاذ الهدنة الهشة، المعمول بها في سورية منذ نهاية فبراير الماضي، غداة تفجيرات دموية وغير مسبوقة قتل فيها 154 شخصاً في مدينتي طرطوس وجبلة الساحليتين، في أهم معاقل النظام في البلاد. في وقت أعلنت «قوات سورية الديمقراطية» المؤلفة من تحالف فصائل عربية وكردية، إطلاق عملية لطرد تنظيم «داعش» من شمال محافظة الرقة، معقله في سورية، بدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن وترحيب روسي. ودعت موسكو، أمس، إلى وقف مؤقت لإطلاق النار في الغوطة الشرقية ومدينة داريا المحاصرة قرب دمشق، لمدة 72 ساعة اعتباراً من اليوم، بعد تهديد فصائل مقاتلة باعتبار الهدنة منهارة في حال لم توقف قوات النظام هجماتها في تلك المنطقة. وقال مدير مركز التنسيق الروسي في سورية، الجنرال سيرغي كورالينكو، الذي يتخذ من قاعدة حميميم في اللاذقية مقراً له، «من أجل إحلال الاستقرار تدعو روسيا إلى هدنة لمدة 72 ساعة في داريا وفي الغوطة الشرقية»، اعتباراً من اليوم. ودعا المعارضة السورية مجدداً إلى الانسحاب من المناطق الخاضعة لسيطرة «جبهة النصرة». وأشار إلى أن المجموعات المسلحة في الغوطة الشرقية وفي أحياء من دمشق رصت صفوفها وأعادت التسلح وتستعد لشن هجوم. وأكد كورالينكو أن «هذه الاستنتاجات والتقديرات أكدها القصف المتواصل الذي يتعرض له الجيش السوري في الغوطة الشرقية والأحياء السكنية في دمشق». وفي ما يتعلق بحلب (شمال)، أشار كورالينكو إلى أن «جبهة النصرة» حشدت مجموعة من 6000 مقاتل لشن هجوم على نطاق واسع لتطويق قوات النظام المنتشرة في المدنية. وتفرض قوات النظام حصاراً على داريا، المدينة الاستراتيجية الواقعة على مسافة 10 كلم جنوب غرب دمشق، وتحاول منذ أواخر عام 2012 استعادتها من أيدي المجموعات المسلحة. من جهته، طلب وزير الخارجية الأميركي جون كيري من نظيره الروسي سيرغي لافروف، أمس، في اتصال هاتفي «حض النظام على الوقف الفوري لضرباته الجوية ضد قوات المعارضة والمدنيين الأبرياء في حلب وفي محيط دمشق». وحذرت وزارة الخارجية الأميركية من أنه «في حال استمر هذا (عنف النظام)، سنشهد انهياراً كاملاً» لوقف الأعمال القتالية. ودعت واشنطن كذلك الفصائل المقاتلة في سورية إلى عدم التخلي عن الهدنة. وتوجه المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية، مايكل راتني، إلى الفصائل المقاتلة بالقول «لقد اطلعنا على بيانكم بشأن الهدنة، وقلقكم البالغ حيال الوضع في داريا والمناطق الأخرى في سورية، إلا أننا لا نعتقد أن التخلي عن الهدنة من شأنه أن يخدم وضع الفصائل المسلحة أو الآلاف من عامة السوريين». وأضاف «إذا انسحبت الفصائل المسلحة من الهدنة، فإن (الرئيس السوري بشار) الأسد وداعميه سيدّعون أن ذلك يخولهم مهاجمة كل قوى المعارضة من دون اعتراض دولي». وأقر بأن الهدنة «في وضع غير مثالي وتتعرض لضغط شديد جداً»، معتبراً أن «التخلي عنها سيكون خطأ استراتيجياً». وهددت 39 فصيلاً مقاتلاً، بينها «جيش الإسلام» الأقوى في الغوطة الشرقية، في 22 مايو الجاري، باعتبار اتفاق وقف الأعمال القتالية «بحكم المنهار تماماً»، ومنح موسكو وواشنطن، الراعيتين للاتفاق، مهلة 48 ساعة، انتهت مساء أمس، لإلزام قوات النظام بوقف هجماتها قرب دمشق، خصوصاً داريا المحاصرة. من ناحية أخرى، أعلنت «قوات سورية الديمقراطية»، أمس، إطلاق عملية لطرد تنظيم «داعش» من شمال محافظة الرقة، معقله في سورية، بدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن. وكتبت «القوات» على «تويتر» نقلاً عن القيادية في هذه القوات روجدا فيلات «نبدأ عملية تحرير شمال الرقة بمشاركة جميع وحدات قوات سورية الديمقراطية» بدعم من التحالف الدولي بقيادة واشنطن. وأضافت فيلات أن الهدف من العملية «صد العمليات الإرهابية عن الشدادي (جنوب الحسكة) وتل أبيض (شمال الرقة) وكوباني ( عين العرب) (شمال حلب)»، وهي جميعها مناطق نجح المقاتلون الأكراد من طرد التنظيم منها. وبدأت القوات هجومها من مدينة تل أبيض في شمال الرقة، المحاذية للحدود مع تركيا، ومن مدينة عين عيسى على بعد أكثر من 50 كيلومتراً عن مدينة الرقة، بحسب مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبدالرحمن. وقال عبد الرحمن إن طائرات حربية تابعة للتحالف الدولي بدأت منذ صباح أمس، قصف مواقع للتنظيم في ريف الرقة الشمالي والأطراف الشمالية لمدينة الرقة وداخلها، بعشرات الغارات تمهيداً لتقدم «قوات سورية الديمقراطية» في شمال الرقة. وأسفرت الغارات بحسب عبدالرحمن عن مقتل «22 عنصراً من التنظيم المتطرف على الأقل». وقبل أيام أعلن المبعوث الخاص للرئيس الأميركي لدى التحالف ضد «داعش»، بريت ماكغورك، في تغريدة على «تويتر»، أن قائد القوات الأميركية في الشرق الأوسط، الجنرال جوي فوتيل، زار سورية السبت «للتحضير للهجوم على الرقة». في السياق، أعلن سيرغي لافروف أن موسكو مستعدة للتنسيق مع التحالف الكردي ـ العربي والتحالف الدولي لشن هجوم لطرد تنظيم «داعش» من الرقة. وقال خلال قمة في أوزبكستان «أقول بكل ثقة إننا مستعدون لمثل هذا التنسيق». وأضاف «بالطبع الرقة أحد أهداف التحالف ضد الإرهاب، تماماً مثل مدينة الموصل العراقية». وتابع «نحن مقتنعون بأنه كان من الممكن تحرير هذه المناطق المأهولة بشكل أكثر فاعلية وسرعة، لو أن جيشينا (الروسي والأميركي) بدآ في تنسيق تحركاتهما قبل ذلك بكثير».