ضرب لبنان رقمًا قياسيا في الفراغ الرئاسي، وحصول أربع محطات من هذا الفراغ كانت تعبيرًا صارخًا على فشل العهود المتعاقبة على تأمين استمرارية الدولة ومؤسساتها، وسبل تداول السلطة وفق أحكام الدستور، ودليلاً على أن الدوامة لا تزال مستمرّة، ما دام هذا الاستحقاق خاضعًا للقرار قوى إقليمية ودولية حتى إشعار آخر. المحطة الأولى من الشغور، شهدها لبنان في عام 1952، عندما استقال رئيس الجمهورية (الراحل) بشارة الخوري، فتولّى المسؤولية قائد الجيش آنذاك فؤاد شهاب عبر حكومة انتقالية، لكن بعد أربعة أيام قاد شهاب الدولة إلى انتخاب كميل شمعون رئيسًا للبلاد. المحطة الثانية، بدأت في 22 سبتمبر (أيلول) من عام 1988، مع انتهاء عهد الرئيس أمين الجميل، وعجز النواب عن الاتفاق على انتخاب رئيس جديد، حيث سلّم سلطة البلاد إلى حكومة عسكرية برئاسة قائد الجيش العماد ميشال عون، الذي لم يبادر إلى الدعوة إلى انتخاب رئيس يخلف الجميل، بل فاوض القيادة السورية على انتخابه هو رئيسًا للجمهورية، وعندما اصطدم برفض حافظ الأسد، أعلن ما سمّي بـ«حرب التحرير» ضدّ الوجود العسكري السوري في لبنان، التي خلّفت دمارًا كبيرًا وآلاف القتلى وتهجير الآلاف أيضًا، وكانت سببا لمؤتمر الطائف الذي أرسى وثيقة الوفاق الوطني، وميثاق الجمهورية الثانية، وانتهى بانتخاب الرئيس الراحل رينيه معوّض في الخامس من أكتوبر (تشرين الأول) 1989، أي بعد 13 شهرًا على الفراغ الرئاسي، لكن سرعان ما اغتيل معوض بسيارة مفخخة في منطقة الصنائع في بيروت، بعد شهر ونصف الشهر على انتخابه، خلفه الرئيس إلياس الهراوي، لكن عون أعلن حالة التمرّد، ورفض تسليم القصر الجمهوري لمعوض ومن بعده للهراوي، وأعلن حالة العصيان، وبقي على هذه الحالة إلى أن أُطيح به في هجوم عسكري واسع شنّه الجيش السوري على القصر الجمهوري في 13 أكتوبر (تشرين الأول) 1990، حيث لجأ عون إلى السفارة الفرنسية، ومنها أبعد إلى منفاه في باريس. الفراغ الثالث، بدأ مع انتهاء ولاية الرئيس الأسبق إميل لحود، الدستورية والممددة في 22 نوفمبر (تشرين الثاني) 2007، وعدم اتفاق قوى 8 و14 آذار على رئيس يخلفه، وبقي الفراغ ستة أشهر، انتهى بانتخاب قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيسًا للجمهورية في 25 مايو (أيار) 2008، تنفيذًا لأحد بنود اتفاق الدوحة الذي فرضه انقلاب ما يسمى «حزب الله» على حكومة الرئيس فؤاد السنيورة في 7 مايو، أي قبل ثلاثة أسابيع، واجتياحه للعاصمة بيروت وجبل لبنان بالسلاح لفرض واقع سياسي جديد في البلاد. المحطة الرابعة فرضها الانقسام العمودي بين فريق 8 آذار الذي رشّح عون للرئاسة، وبين فريق 14 آذار الذي رشّح رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وإصرار كل منهما على انتخاب مرشحه، لكن الصدمة التي أحدثها زعيم تيار «المستقبل» ورئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري، بترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية (أحد أقطاب 8 آذار) لم تنه الفراغ الرئاسي، بفعل إصرار نواب ما يسمى «حزب الله» وتكتل التغيير والإصلاح على مقاطعة جلسات انتخاب الرئيس الـ38، وعدم إذعان القوى الأخرى لمطلبهما بانتخاب عون دون سواه رئيسًا للجمهورية.