ربما بات ضرورياً إعادة النظر في الكثير من المصطلحات اللغوية العربية المتداولة، من قبيل النكبة، أو النكسة، أو المؤامرة، أو الحراك والتغيير، وغيرها الكثير الكثير مما يخطر، أو لا يخطر على البال، باعتبارها أدوات لغوية ووسائل تعبيرية، لم تعد تُعبر بشكل دقيق عن واقع مرير تعيش فيه الأمة العربية بمجتمعاتها ودولها. قبل قرن من الزمن كان اتفاق سايكس - بيكو، الذي أرسى بعد سنة قواعده التنفيذية بما يخص فلسطين، عبْر وعد بلفور، أطلق على تلك البيئة مؤامرة لتقسيم الوطن العربي بين فرنسا وبريطانيا، وبصرف النظر عن دقة التوصيف والغرق في تفاصيله، يبدو أننا نحن العرب نعيد بعد قرن من الزمن التجربة نفسها، اليوم ثمة تداول مكثف لمصطلح اجتماع لافروف - كيري على سبيل المثال لا الحصر، للإيحاء بإمكانية اتفاق ما في السر على مصير المنطقة العربية، وبصرف النظر عن دقة التوصيف أيضاً، فهو يُعبر بشكل أو بآخر، عن سلوك نمطي تمّ التعود عليه، وبالتالي أصبحنا أسرى أنماط معينة من التفكير، الذي يتجاوز المصطلحات والتعابير اللغوية، لتشكِّل حالة من الهواجس، وهي بطبيعة الأمر مبررة، فلماذا كل ذلك؟ في الواقع أن في التدقيق في حال الأمة العربية وأوضاعها منذ قرن من الزمن، لا نجد سوى الهزائم ضد أعداء الخارج، تقابلها انتصارات وهمية لا معنى لها هنا أو هناك، كمثل نكبة فلسطين في العام 1948 التي استتبعت بمعارك وحروب عربية - إسرائيلية، ورغم بعض مظاهر الانتصارات لم تتم استثمارها، فغالباً ما تحولت الانتصارات العسكرية المتواضعة، إلى خسائر مباشرة في السياسة وغيرها. والأمر عينه ينطبق مثلاً على النكسة العربية في العدوان الإسرائيلي العام 1967، حيث استتبعت باللاءات الثلاث وبحرب 1973، ورغم هزيمة إسرائيل في تلك الحرب، تحولت تداعياتها إلى انتصارات إسرائيلية موصوفة عبر كامب ديفيد، ومن بعدها الكثير من المحطات الفرعية كاجتياح لبنان 1982 والعدوان على لبنان في الأعوام 1993 و1996 و2006، والعدوان على غزة 2008 و2012، وما ينتظرنا حالياً في هذا الصيف الملتهب. ولم يعد أمر النكبات والنكسات والمؤامرات مقتصراً على معاركنا الخارجية، بل شملت أيضاً أوضاع مجتمعاتنا ودولنا، وما يستعمل فيها من مصطلحات، كالثورات والحراك والإصلاح والتغيير، وغيرها. أليست جميعها نكبات متتالية من العيار الثقيل، أو بالأحرى مصائب موصوفة، تنزل بمجتمعاتنا يومياً، من العام 2010 بدء الحراك العربي. أين أصبحنا اليوم، أليس ثمة من ينادي ويطالب بإعادة تثبيت خرائط سايس - بيكو خوفاً من اتفاق كيري - لافروف، وكما نسميه في عقلنا الباطني مؤامرة روسية - أمريكية لتقسيم المقسم، وتجزئة المجزأ، وهي حالة ترقى بحد ذاتها إلى نمط تفكيري غريب عجيب؟ والأمر عينه، ينسحب أيضاً على سلوكات التكفير والإرهاب المستشري في أوطاننا ومجتمعاتنا، وما استتبع من اقتتال وتدمير طال البشر والحجر، أليست أوضاعاً كارثية؟ ألم نعد قروناً إلى الوراء، وأين نحن اليوم من النكبات والنكسات والمؤامرات؟ ببساطة لم تعد مصطلحات اللغة العربية المشهود لها باشتقاقاتها اللغوية، قادرة على توصيف الواقع المزري الذي نعيش فيه، ذلك لا يعني إلا شيئاً واحداً، نحن بحاجة إلى إعادة بنيان فكري مجتمعي، قادر على فهم مستلزمات التحول والتغيير بالقدر الذي تحتاجه أمة، كانت يوماً منارة للثقافات والحضارات في غير مكان من العالم. باختصار شديد، نحن نعيش حالات نكبات ونكسات بعروض متتالية وتكاد لا تنتهي مآسيها وتداعياتها، حتى يمكن القول، إن التعبير عنها باتت تشكل نكبة بحد ذاتها، وهنا تكمن الطامة الكبرى.