لم تقف الدولة يوماًَ موقف المتفرج من ظلم وقع بإنسان، أو ضرر لحق بكائن من كان، فما بالها حيال قسوة تنزل بحق كائنات لم تبلغ الكمال بعد، وبوضوح أطفال لم يرتكبوا في دنياهم ما يستحقون عليه ما مارسته عليهم أسرهم من عقوبات مختلفة لا لشيء سوى هفوات لم يدركوا عاقبتها، أو أخطاء خارجة عن نطاق وعيهم بكنهها. حكاية ظلم الأطفال وتعنيفهم تطول، وإذا كان بطش الأسر أحد فصولها، فإن ذئاب البشر وأفعالهم الفصل الأكثر إيلاما، كيف لا، وهم يمزقون بأنيابهم براءة الأطفال، ويحولون أحلامهم إلى شباك تصطاد طيبتهم، كما حدث مع الطفل عبيدة الذي أوقعه حلم اللهو على سكوتر في براثن ذئب بشري، نهش طفولته. أخيراً جاء الحق ليزهق باطل شراسة البعض في معاملة فلذات الأكباد، ونور العيون، جاء الحق بإقرار صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، القانون الاتحادي رقم 3 لسنة 2016 بشأن قانون حقوق الطفل وديمة، ليطبق اعتباراً من 15 يونيو/حزيران المقبل. قانون شامل ومتكامل، لا يعمل فقط على حماية الطفل من مظاهر الإهمال والاستغلال، وسوء المعاملة، والعنف البدني والنفسي، بل يحافظ بشكل عام ورئيسي على حق الطفل في الحياة، والبقاء، والنماء، وتنشئته على التمسك بعقيدته الإسلامية، والاعتزاز بهويته الوطنية. أيام ويتم العمل بالقانون الذي يحفظ كرامة، وآدمية، وإنسانية الصغار، ويعتبر حصن أمان لهم من العنف، حيث يشكل سداً منيعاً أمام من قد يفكر مجرد التفكير في الإساءة لأي منهم، وبأية صورة كانت من الصور، فالقانون في حد ذاته بمنزلة رادع قوي، وحاسم، لوأد أي شكل من أشكال التعنت اللفظي، أو المادي والمعنوي، تجاه أحباب الله، وبذلك يمكن القول بأن أيام التعدي غير المحسوب على حبات القلوب، ولت إلى غير رجعة، وإن الجميع على اختلاف مواقع قرابتهم، أو حتى بعدهم من الصغار، سيكونون على حذر، من الإقدام على أية فعلة مضرة أو مهينة، أو متجنية عليهم. ولا يمكن ونحن ننتظر خروج القانون إلى حيز التطبيق الفعلي، أن نتناسى قصة الطفلة الضحية وديمة ذات الثماني سنوات، التي كانت بمنزلة الشرارة التي انطلق منها لهيب الحزن، والتأسي، والغصة المجتمعية بشكل شبه شامل، على ما تعرضت له من قسوة بالغة على يد والدها وزوجته، والتي أودت بحياتها في النهاية، لتشتعل نيران الغضب العارم عليهما، وليقضي القضاء لاحقاً بحكم فصل في جريمتهما، التي لم يسدل عليها الستار، حيث وجرائها فتحت الأبواب التي كانت مغلقة على مبدأ أن الأطفال مصانون، وأنه ما من أحد يمكن أن يأتي على أحقيتهم في حياة آمنة، وهادئة، ومستقرة، حيث هزت المأساة التي تعرضت لها الطفلة المغتالة جسدياً، ومعنوياً، أبواب ونوافذ مسؤولي الدولة، وشرعتها على مصراعيها، ليأتي القرار الأعلى بسن قانون يجرم ويدين التعدي على الأطفال، ويسن مواد متعددة لحفظ حقوقهم من الأوجه المختلفة. وإذا تصفحنا بعض مضامين القانون، سنجد أنه لم يترك شاردة أو واردة من الحقوق الأساسية للأطفال إلا ونص صراحة عليها، بما يؤكد شمولية الحماية التي وفرها للصغار، ليعيشوا في مناخ آمن وسليم، من دون توترات، أو إشكاليات، أو تهديدات من أي نوع، وبذلك صانهم من المنغصات، وحمى حاضرهم ومستقبلهم من التفتت والضياع على أرصفة علاقات أسرية غير ممهدة بصورة سليمة لتسيير حياة الأطفال بشكل سوي. ويتبقى أن نبحث في الإيجابيات، والتداعيات المنتظرة من تطبيق القانون، وأيضاً الوقوف على واقع قضايا العنف ضد الأطفال في المحاكم، في ضوء المعلن منها دون عكسه بالطبع، مع النظر في أشكال التعدي التي يتعرض لها الصغار، والتي نودعها اليوم والى الأبد مع صدور القانون الجديد. قفزة نوعية قال المحامي سعيد سليم: عمد القانون الإماراتي إلى حماية حقوق الطفل، والمحافظة عليها بشتى الطرق، لما لهذه الشريحة من أهمية بالغة في تطور المجتمعات، فيما لا يخفى أن الإمارات من الدول الراعية لحقوق الطفل بشتى الوسائل، والأساليب التي لا تخفى على العيان، لذا فقد استحدث المشرع الإماراتي قانوناً مهماً لضمان حقوق الطفل، وهو قانون وديمة، والغرض الأساسي والأول منه هو حماية وصيانة هذه الفئة من أفراد المجتمع، حيث سيشكل هذا القانون قفزة نوعية في كل المستجدات التي تشهدها الدولة، والمتعلقة بالأطفال. وأكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، أن لجميع الأطفال دون تمييز الحق في حياة آمنة، وبيئة مستقرة، ورعاية دائمة، وحماية من أية مخاطر أو انتهاكات، موضحاً سموه أن مصلحة الطفل لا بد أن تكون مقدمة على أية مصلحة، واحتياجاته الأساسية وحقوقه هي واجب علينا جميعاً التعاون لتحقيقها. وبالنسبة للقانون الجديد الذي اعتمده مجلس الوزراء، فيتضمن مواد احتوت على حقوق الطفل كافة التي كفلتها المواثيق الدولية وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، ومبادئ الدستور الإماراتي، ومن ذلك الحقوق الأساسية، والحقوق الأسرية، والصحية، والتعليمية، والثقافية والاجتماعية للطفل، إضافة إلى حق الطفل في الحماية. رادع قوي وشدد محمد راشد رشود نائب رئيس مجلس أولياء أمور الطلبة والطالبات في دبا الحصن على ما يحظى به الأطفال في الدولة من اهتمام ورعاية من القيادة، ليعيشوا حياة آمنة، ومستقرة، ورعايتهم بشكل دائم، وحمايتهم من أي مخاطر قد تحدق بهم. ولقد جاء قانون وديمة ليؤكد للعالم بأسره أن الدولة بقيادة صاحب السمو رئيس الدولة حفظه الله، وإخوانه أصحاب السمو الشيوخ حكام الإمارات، رائدة ومتميزة في حماية أطفالها سواء مواطنين أو مقيمين وحريصة على تحقيق التنمية الشاملة لهم، وتعمل على إسعادهم. وأعتقد أن القانون يسهم في أن يعيش الطفل حياة سعيدة وهنيئة، وفي الوقت نفسه سيكون رادعاً لمن تسول له نفسه من أصحاب النفوس الضعيفة المساس بشخصية الطفل، وسيضمن حمايته من أشكال التمييز والعنف. ظهير حاسم وأشار سلطان عبيد بن شنه الكتبي المتخصص في الطب الطبيعي إلى أنه كان من غير الجائز ترك الحبل على الغارب لمن يسيء للأطفال بأية صورة كانت دونما التصدي له قانونياً، من خلال التشريع العادل الذي يحفظ له إنسانيته، ويحميه من القسوة المتعمدة أو غيرها. وقال: الصغار أمانة في أعناق إفراد المجتمع كافة، وتأمينهم ضروري من القلاقل المتمثلة في القسوة في معاملتهم، أوتعنيفهم بشكل مبالغ فيه، يصل إلى حد الإيذاء الجسدي فهذا أمر مرفوض تماماً، ويجب عدم القبول به تحت أية مبررات، حيث من الضروري الحفاظ على صحتهم النفسية سليمة من دون زرع ضغائن داخلهم، أو أحقاد وكراهية لأفراد أسرهم بشكل عام، دونما التركيز على من تعدى عليهم منهم. قال خالد الغيلي مقرر لجنة شؤون الأسرة في المجلس الاستشاري لإمارة الشارقة إن قانون حماية حقوق الأطفال كان من الأهمية الحتمية بمكان إصداره لحماية الأبناء من التعرض للقسوة بأي شكل في ضوء أن بعض الأسر تستهين بكينونة الصغار، وتستخدم العنف في معاملتهم، بدعوى تقويم سلوكياتهم، أو تصويب تصرفاتهم، آتية بذلك على الإنسانية الواجبة في المعاملة الصحيحة غير المتطرفة في التدليل الزائد، أو الشدة المبالغ فيها. وأكد أن التعنت في المعاملة، وتعذيب الصغير بدنيا، أو نفسيا، وبأية صورة من الصور سواء الإيذاء الجسدي، أو السخرية منه، والاستهتار به، وإحباطه، يأتي على تكوينه النفسي، ويطيح بإمكانية أن يكون شخصاً سوياً في المستقبل، حيث قد يختزن ما تعرض له على أيدي أسرته، ويجنح للانتقام حينما يشتد عوده، ويصبح عدوانياً، ناقماً، كارهاً للجميع. موقف واضح جاء القانون متوافقاً مع ما أكده الشارع الحكيم من ضرورة معاملة الأطفال بالحسنى، وموقفه في ذلك واضح وصريح، وعن ذلك قال الباحث الشرعي د. سالم ارحمه: لقد اعتنى الإسلام بالطفل عناية فائقة وأعطاه حقوقاً في جميع مراحل حياته فاهتمَّ به جنيناً، ورضيعاً، وصبياً، بل قبل أن يوجد من خلال حسن اختيار والديه، ويظهر ذلك جلياً من خلال كثرة الأحكام والتشريعات التي أتى بها الإسلام فيما يخص الطفل. والمتأمل في الشرع الإسلامي الشريف يجد هذا واضحاً جلياً؛ لأنه سيجد التشريع الإسلامي قد أعطى الطفل حقوقه الجسدية، والنفسية، والمالية، والتعليمية، والتربوية بأفضل صور الرعاية والمحافظة عليها. فمن كفالة التشريع الإسلامي لحقوق الطفل الجسدية جعل الرضاع نفقة واجبة على والد الطفل المولود فقال تعالى: { وَعَلى المَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ }. وجعل الرضاع حقّاً للولد على أمه فأمرها الشرع الشريف بالرضاع في قوله تعالى: { وَالوَالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ }. فحق الطفل في الرضاع حافظ عليه التشريع الإسلامي حفاظاً عظيماً من كل جوانبه، فقد أمر المرضع بالرضاع، وأمر ولي أمر المولود أن يوفر للمرضع ما يضمن لها صحتها من أجر، وكسوة، حتى تتمكن من القيام بواجب الرضاع. وأمّا كفالة الحقوق النفسية للطفل فقد قدم التشريع الإسلامي الأنموذج الأكمل في رعايتها، ومن أمثلة ذلك: ما روي من أحاديث في تقبيل الأولاد حتى أفرد علماء السنن والمصنفات الحديثة المصنفة على الأبواب أبواباً لهذا المعنى، ومن هذه الأحاديث ما رواه البخاري من حديث أبي هريرة ــ رضي الله عنه ـ قال: (قبل رسول الله صلى الله عليه و سلم الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالساً، فقال الأقرع: إنّ لي عشرةَ من الولدِ ما قبلتُ منهم أحداً، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثم قال:(من لا يَرحم لا يُرحم). وأما كفالة حقوقه المالية فقد أعطى الشرع الشريف الطفل حقه في التملك، وجعل له ذمة خاصة تقبل التملك، ومن ذلك أن الشرع الشريف أثبت حق الأطفال في الميراث فقال تعالى: { يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ للِذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ }، والولد الذكر أو الأنثى يستحق الميراث سواء أكان طفلاً أم كبيراً. ولا يحق لأحد أن يتعلل بصغر سن طفل ليمنعه حقه في الميراث، بل يعد هذا المنع من تَعدّى حدود الله. وأما كفالة حقوقه التعليمية والتربوية فالإسلام كما هو معروف دين علم منذ لحظة ظهوره فقد كانت أول آية نزلت على الرسول صلى الله عليه و سلم آية تدعو للعلم من خلال أهم مصادره فقال تعالى: { اقرَأ باسْمِ رَبِّكَ الَّذي خَلَقَ، خَلَقَ الإِنْسَانَ منْ عَلَق، اِقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بالْقَلَمِ، عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ }. فهذه الآيات أول ما نزل من القرآن مصدر التشريع الرئيسي في الإسلام وهي آيات كلها دعوة للعلم. ولقد كانت الحقوق التعليمية مكفولة لكل أفراد المجتمع المسلم ومن بينهم الأطفال بل كانت هناك أوامر مباشرة صريحة بتعليم الأطفال مثل قوله صلى الله عليه و سلم (علموا أولادكم الصلاة لسبع). ففي هذا الحديث يأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم الأمة بتعليم الأطفال في سن مبكرة. وقد كان رسول الله صلى الله عليه و سلم الأسوة الحسنة خير من يقوم بكفالة الحقوق التعليمية وأدائها، ويظهر هذا في أمثلة كثيرة منها قيامه بتعليم ابن عباس رضي الله عنهما فقد قال له رسول الله صلى الله عليه و سلم: (يا غلام إني معلمك كلمات، أحفظ الله يحفظك، أحفظ الله تجده تجاهك، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله لك، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك فلن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، رفعت الأقلام وجفت الصحف). أمينة دبوس: وديمة شاهد على الاهتمام بالطفولة شاركت أسرة جائزة الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم لإبداعات الطفولة والشباب ممثلة في أمينة الدبوس المدير التنفيذي للجائزة في اللقاء التشاوري الأول بشأن قانون حماية الطفل الاتحادي، والذي عقد بمقر هيئة تنمية المجتمع بدبي برئاسة خالدة الكمدة مدير عام الهيئة، وقد شارك في اللقاء ممثلو العديد من الهيئات والمؤسسات التي لها علاقة بأمن واستقرار وحماية الطفولة. وفي ختام الاجتماع قالت أمينة الدبوس: كم كانت سعادتنا كبيرة وغامرة عندما أصدر صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله، القانون الاتحادي رقم 3 لسنة 2016 بشأن قانون حقوق الطفلوديمة، كما أن اجتماعنا التشاوري خطوة كبيرة لتعزيز العمل الجماعي لتفعيل القانون وتطبيقه على أرض الواقع.وإن دولتنا الغالية بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة وأخيه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله وإخوانهما أصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد حكام الإمارات تسعى دائماً وعلى مر الأزمنة بالاهتمام بالطفولة وإيلاء قضاياها وهمومها ومشاكلها وطموحاتها جل الاهتمام، ولذلك جاء قانون حقوق الطفل الإماراتي وديمة شاهدا على عصر التميّز والتألّق والإبداع والاهتمام الإماراتي بالطفولة.