×
محافظة جازان

اﻹطاحة بعدد من المخالفين وكميات من «القات» بجازان (صور)

صورة الخبر

لن تجد من يطرح أسئلة حول الأسئلة كالفلاسفة. فقد يسأل أحدهم: هل السؤال «من أنت» سؤال أصيل؟ وهل ثمة إجابة عن هذا السؤال المربك، أم أن أية إجابة قد تساهم في مزيد من الإرباك والغموض؟ سئل الفيلسوف الألماني آرثر شوبنهاور، ذات يوم، السؤال نفسه: «من أنت؟» وكان يومها يتجول وحيدا في حديقة عامة في ألمانيا، وكانت هذه النزهة وقت المساء حيث ستغلق أبواب الحديقة بعد قليل، وهو الزائر الوحيد فيها. دخل، عندئذ، البستاني الذي يعتني بزهور ذلك المنتزه وأشجاره، ورأى ذلك الشخص الغريب الذي اسمه شوبنهاور. قال له البستاني: «من أنت؟» فأجاب شوبنهاور قائلا: «لو أجبتني عن هذا السؤال فسوف أبقى مدينا لك طيلة حياتي»! إن الأسئلة لدى أولئك الفلاسفة تختلف عن تلك التي سأتناولها بعد قليل، فأسئلة الفلاسفة تصنع دوائر أخرى من الأسئلة بدلا من الإجابات، ولم تكن المعرفة وليدة الإجابات، بل صنيعة الأسئلة. كما أن الأسئلة الذكية تشحذ الذهن، وتنعش الذاكرة، وتولد سيلا من الأفكار. وهو ما لم يجده الصديق الدكتور مبارك الخالدي في السؤال الذي طُرِح مؤخرا في الصحافة الثقافية حول تشكيل هيئة عامة للثقافة. يقول السؤال: «ماذا تريد من الهيئة العامة للثقافة؟». ولم يجد مبارك الخالدي ذلك السؤال خلاقا منتجا، بل وجده سؤالا تقليديا معادا تمت الإجابة عنه من قديم الزمان وسالف العصر والأوان. فكتب مقالا أراه من أجمل ما كُتِب في هذا الشأن. غير أن الأجمل في محيطنا الثقافي يمر مرورا عابرا لا يلتفت إليه أحد، سواء كان مقالا أم عملا أدبيا. ذلك أنه «لا أحد في العالم»! كما يقول الشاعر محمد الماغوط. لخص مبارك الخالدي إجابته عن ذلك السؤال في عنوان المقال: «لا.. لا أريد شيئا من الهيئة العامة للثقافة». وجاءت الإجابة على هذا النحو لأنها تبطن احتجاجا على الأسئلة المعادة التي تم اجترارها لعدة عقود، والتي يراد بها سد فراغ الصفحات الثقافية كلما طرأت ترتيبات إدارية جديدة. يقول مبارك الخالدي: «ماذا أريد من هيئة الثقافة؟ لا شيء غير ما أردته من وكالة الشؤون الثقافية، وهو ما أردته في قديم الزمان من جمعية الثقافة والفنون، والأندية الأدبية. كان حريا بالصحافة الثقافية أن تصوغ أسئلة مختلفة ترنو إلى أجوبة مختلفة». نعم، يا صديقي، حين يكون السؤال مختلفا تصبح الإجابات مختلفة. والحق يقال إن الإجابة عن أسئلة أصدقائنا في الصحافة الثقافية لا تحتاج إلى بذل جهد. «فارة» الكومبيوتر طيِعة ورهن الإشارة، وما عليك سوى العودة إلى أرشيفك الخاص للإجابة عن أسئلة معادة سبق لك أن أجبت عنها عشرات المرات. إنها مجرد عملية قص ولصق وتكتمل الإجابة، لتضاف إلى بقية الإجابات والدراسات والتوصيات التي تقبع جميعها في عالم النسيان. ولا أحد في ذلك العالم. نعم، يا صديقي، كل شيء في الساحة الثقافية يعيد نفسه حتى الأسئلة. نحن أيضا مرغمون على تكرار أنفسنا، وإعادة تدوير إجاباتنا. ولقد أحسنت صنعا حين امتنعت عن إعادة تدوير ما سبق لك أن قلته. لكن يبدو أن النكتة (النكتاء) التي حرضت قلمك على الكتابة في هذا الشأن (إضافة إلى الأسئلة القديمة) هي تلك القناعة التي توصل إليها بعضهم على أثر تشكيل الهيئة العامة للثقافة، عندما افترض أن الكرة قد أصبحت الآن في مرمى المثقفين. وهو افتراض غريب و.. (هدف كروي) لم يكن في الحسبان!