عبد الرحمن محمد-القاهرة جاء إعلان شركة الخطوط الجوية البريطانية تعليق مبيعاتها داخل مصر بسبب أزمة شح الدولار الأميركي وعدم تمكنها من تحويل أرباحها ليفاقم من أزمة شركات طيران عالمية بمصر، قَدّر مراقبون مستحقاتها التي تواجهالأمر ذاته بنحو 400 مليون دولار. وعلى الرغم من إعلان الشركة البريطانية تجميدها قرار إيقاف مبيعاتها بمصر، أكدت أنها في إطار "تقييم ومراجعة" منتظرةً إيفاء البنك المركزي المصري بتعهداته العاجلة بحل مشكلات شركات الطيران خلال الساعات المقبلة. وأدت ندرة الدولار بمصر لتداعيات خطيرة أبرزها شكوى مستثمرين أجانب من صعوبة تحويل أرباحهم للخارج، كما هي الحال مع نحو 15 شركة طيران عالمية أبرزها "إير فرانس- كيه أل أم" الفرنسية الهولندية وأخيرا الخطوط البريطانية، إضافة إلى شركات أخرى كشركتي جنرال موتورز وأل جي. وحسب خبراء ومراقبين فإن ذلك سيؤدي إلى تفاقم أزمة الاقتصاد المصري، وفي مقدمة ذلك هبوط قيمة الجنيه وانخفاض حجم الاستثمار الخارجي والمحلي في البلاد، ويدفع كذلك إلى زيادة الاتجاه ناحية "الدولرة" (الادخار بالعملة الأجنبية بدلا من المحلية). ويعقد البنك المركزي جلسات مع ممثلي شركات الطيران العالمية في محاولة لاحتواءأزمة تحويل الأرباحوبحث أفضل الحلول الممكنة. عبد السلام: الأزمة ستضعف جهود البنك المركزي لاحتواء الدولار(الجزيرة) أزمة مكررة الخبير الاقتصادي مصطفى عبد السلام قال إنه "على الرغم من مرور السوق المصرية بهذه التجربة في سنوات سابقة (1998 و2003 و2004) فإنها لم تكن بهذه الحدة". وأرجع في حديثه للجزيرة نت ذلك إلى عدم وجود نقد أجنبي لدى البنك المركزي يكفى لتلبية هذه الاحتياجات، لافتا إلى أن ذلك من شأنه تشويه مناخ الاستثمارلدى الخارج وتعقيد مهمة الحكومة في جذب استثمارات أجنبية جديدة أو الحفاظ على القائمة. وأضاف هذه الأزمة ستزيد الضغوط على الدولار وتدعم ممارسات خطيرة منها "الدولرة" وزيادة اكتناز المدخرين للعملة الأميركية على حساب الجنيه، وهو ما يعقد الأمور ويصعب مهمة البنك المركزي في احتواء الأزمة القائمة. وسجل سعر صرف الدولار ارتفاعا قياسيا لتتجاوز قيمته9.5 جنيهات في السوق الموازية، ليصل الفارق بين السعر الرسمي والسعر في السوق الموازية نحو 1.70 جنيه، وهو أعلى فارق سعر في تاريخ حركة تعاملات الدولار والجنيه. من جانبه رأى مدرس الاقتصاد بأكاديمية أوكلاند الأميركية مصطفى شاهين أن هذه الأزمة ستدفع لزيادة انهيار الجنيه المصري، وسيكون لذلك انعكاسواسع فوق ما يتخيله الجميع. وتابع في حديثه للجزيرة نت "الدولار يقترب من العشر جنيهات وسيؤدي ذلك إلى ارتفاع غير مسبوق في مستوى الأسعار وفقدان المصريين الثقة في عملتهم الوطنية، حيث سيفكر كثيرون في مصادر أخرى يحتفظون من خلالها بأموالهم وحتى إذا لم يتوفر الدولار سيسعون إلى تغيير الجنيه بعملات أخرى كالريال السعودي والدينار الكويتي والدرهم الإماراتي". شاهين: انهيار الجنيه سيؤدي لفقدان المصريين الثقة فيه (الجزيرة) الأسباب نفسها وأشار إلى تجارب عالمية سابقة انتكست فيها العملات المحلية كالسودان والصومال ولبنان واليونان، مضيفا نحن نمر بنفس الأسباب المؤدية إلى ذلك ومن ذلك الفرقة في المجتمع والانقسام الحاد. وأضاف الأخطر من ذلك هو أين ذهبت تدفقات الخليج فنحن المتخصصين لا توجد لدينا إجابة شافية، وما نقوم به عبارة عن توقع وتخمين لما حدث، ولا توجد معلومات واضحة ودقيقة لمصارف هذه الأموال. بدوره، قال أستاذ التمويل والصيرفة الإسلامية أشرف دوابة إن "الأزمة لن تتوقف عند شركة الطيران البريطانية ومن سبقها من الشركات التي كشفت عن مواجهتها ذات الأمر حيث إن عدم توفر العملة الأجنبية سيزيد من الشركات التي ستضطر إلى تجميد نشاطها". ولفت في حديثه للجزيرة نت إلى أن شركة طيران الإمارات هددت بخفض أعمالها في مصر بنسبة 75%، كما أن شركة الخطوط الألمانية لديها هي الأخرى مستحقات متأخرة تتراوح ما بين 15 و17 مليون دولار. وأضاف ما يحدث يشكل أقوى رسالة طرد لأي استثمارات أجنبية أو محلية، والأمر يكشف عجز النظام عن إدارة الأزمة واعتماده أسلوب المسكنات لا الحلول الحاسمة، متوقعا ارتفاعا غير مسبوق في سعر الدولار خلال المرحلة المقبلة.