سابقة تاريخية عظيمة تلك المبادرة التي أطلقها جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة بإعلانه عن مشروعه الإصلاحي النابع عن حكمة ورؤية متقدمة وقراءة واقعية لحركة التاريخ التي من أهم أهدافها التجديد والإصلاح ونقل البحرين -ذلك البلد الصغير بمساحته والعظيم بشعبه وتاريخه وتراثه وعروبته- نقلة تاريخية لم يسبقه إليها أحد من الزعماء وقادة الأمة العربية، بما تمَّيز به من بُعد نظر وحنكة منذ توليه سدّة الحُكم في (مارس 1999م) وما قام به من خطوات إصلاحية عملية شَهدَ لها القاصي والداني قبل اشتعال شرارة ما يسمى (الربيع العربي) الذي مازالت آثاره باقية تحكي قصص الدمار والفوضى والإرهاب الذي دُبِّر بليل أسود كانت عناوينه الدماء التي سُفكت والعنف الطائفي الذي استشرى وأعاد الأمة العربية إلى عصور الجهل والانحطاط. وقبل الأحداث المؤسفة التي شهدتها المملكة في (فبراير 2011م) وقبل بدء عمل (اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق) الذي انتهى بتنفيذ جميع ما تضمنه تقريرها من توصيات بشهادة البروفيسور محمود شريف بسيوني رئيس اللجنة الذي أكَّد خلال حضوره احتفالية خاصة أُقيمت بهذه المناسبة في (9 مايو 2016م) على أن البحرين (لم تستكمل فقط تنفيذ التوصيات إنما تقدَّمت عليها بالعديد من الخطوات الإصلاحية التي تصب في مصلحة المواطن البحريني ومستقبله)، فكانت البحرين على موعد مع التاريخ مرة أخرى وبإرادة ملك عادل عازم على استكمال نهج الديمقراطية والتعددية الذي بدأ منذ عشرينيات القرن الماضي من أجل عودة الجميع إلى رحاب الوطن تحت مظلة المؤسسات الدستورية القائمة على أن تكون مشاركة المعارضة في انتخابات (2018) أمرا مفروغا منه. وبقراءة سريعة لبيان الديوان الملكي بمناسبة الانتهاء من تنفيذ توصيات (اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق)، يتأكد للجميع أن مسيرة الإصلاح والتحديث مستمرة من خلال المشروع الإصلاحي وكما جاء في ميثاق العمل الوطني الذي أجمع عليه الشعب بكافة توجهاته، وأن عجلة التطوير وبلا أدنى شك ماضية وبتدرج مدروس بدقة متناهية يؤكد حقيقة أن تنفيذ توصيات تقرير لجنة تقصي الحقائق ما هو إلا خطوة من خطوات عملية عديدة أطلقها ولايزال جلالة الملك منذ (1999م). وأود هنا أن أشدّ على يد كل بحريني وبحرينية لهذا الإنجاز التاريخي الذي لم يكن ليتحقق لولا الدور المؤثر والهام الذي قاموا به خلال الأزمة وبعدها بالوقوف مع القيادة جنبا إلى جنب من أجل البحرين الوطن والأرض، الحاضنة للجميع رغم عواصف الشمال الطائفية الطاغية التي كانت كابوساً مريراً، شكَّلت فترة عصيبة لم تمر بها البحرين في تاريخها الحديث، عشتُ تفاصيل لحظاتها الدقيقة لحظة بلحظة والألم يعتصرني حسرة على وطن كاد أن يضيع بسبب الرفض التام لكافة الحلول الوطنية الصادقة الهادفة لتجنيب الوطن وأبنائه الفرقة والانقسام والانشقاق بسبب قوى إقليمية ودولية استساغت اللعب على الأهواء واستغلال المذهب لتحقيق أهدافهم بالسيطرة والنفوذ، كما في العراق الذي يموج بحالة هستيرية من الانقسام والمذهبية والإرهاب، ولبنان الذي يعاني من التأزيم السياسي منذ (مايو 2013م) بسبب الفراغ الرئاسي والحكومة المعطلة لرفض الكتلة النيابية والذراع الإيرانية في لبنان والمتحكّمة في قراره السيادي (حزب الله) المشاركة في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ومنعَ الشعب اللبناني من ممارسة أهم حقوقه الديمقراطية والسيادية. لقد أدركت في (14 فبراير 2011م) أن من يدَّعون (المعارضة) قد حادوا عن طريق الوطن وأصبحوا في طريق الشيطان، وكان لا بد من وقفة تأمل تعيد للوطن قوته وعزته وكرامته، فعملتُ من خلال موقعي بوزارة الخارجية وبتوجيهات من وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة بصمت وهدوء ليل نهار مع مجموعة من رجالات ونساء البحرين من كافة الأطياف والانتماءات والأديان للدفاع عن الوطن، وخضنا العديد من المعارك الشرسة في العديد من عواصم العالم لتوضيح الصورة الحقيقية للبحرين، وتصحيح الأكاذيب التي حرّكتها خطط وأطماع خارجية معلومة الأهداف والنوايا في إطار خطة كبرى لإسقاط النظام، إلا أن مملكة البحرين بتكاتف شعبها استطاعت تجاوز ذلك الكابوس، وحقَّقت الانتصار على قوى الشر، ليسقط الرهان الذي لعبت عليه بتأجيج الطائفية في المجتمع البحريني كوسيلة لتحقيق الهدف المعلن بتأسيس (التحالف من أجل الجمهورية) بهدف إسقاط النظام الملكي الدستوري وتأسيس (الجمهورية) كنسخة طبق الأصل من نظام ولاية الفقيه وسط قلب الجزيرة العربية، وهو ما أعلنته صراحةً أطراف من المعارضة في (7 مارس 2011م)، والمقابلة الشهيرة لحسن مشيمع مع زعيم حزب الله الإرهابي (حسن نصر الله)؛ إلا أن التجارب اثبتت دائماً فشل من يغرد خارج السرب الوطني وهو الواقع الذي هرب منه الحالمون خصوصاً مع استسلامهم للإملاءات الخارجية الصادرة لهم من على بعد 150 ميلاً بحرياً شمالاً! من هذه النقطة يصبح (الإيمان العميق بالبحرين الوطن والأرض) هو المبدأ الأصيل للمواطن الصحيح، وليس مقبولاً المساس به والسماح للأجنبي العبث بمقدراته واستقلاله وسيادته الوطنية، وأن طريق التعددية والإصلاحات لا يمكن أن يتحقَّق إلا تحت قبة البرلمان المنظَّم دستورياً بأدوات تشريعية فاعلة، واتخاذ القرار الوطني بالمشاركة في الانتخابات النيابية المقبلة (2018)، وتشكيل برلمان قوي يضمّ كافة التوجهات والأطياف لإثراء العمل النيابي وزيادة فاعلية مجلس النواب وأدائه وإبراز قوته ونفوذه أمام السلطة التنفيذية، خاصة بعد أن أصبح لمجلس النواب اليد العليا على مجلس الشورى بفضل التعديلات الدستورية الناتجة عن مخرجات حوار التوافق الوطني الذي تم في (يوليو 2011م) وقاطعته المعارضة، وخرج بالعديد من التوصيات التي تصب في تحقيق وتنفيذ البرامج الإصلاحية الطموحة وتفعيل أكثر لمبادئ ميثاق العمل الوطني الذي هو أساس المشروع الإصلاحي لجلالة الملك المفدى، لتتحقَّق في النهاية آمال الشعب البحريني ومصالحه بحركة وطنية عظيمة تعمل في إطار الدستور ومظلة الأسرة البحرينية الواحدة ومجلس التعاون الذي هو الحصن الحصين لاستقلالنا وسيادتنا الوطنية. والآن.. وبعد مرور أكثر من خمس سنوات على الأحداث المؤسفة، وبعد شهادة البروفيسور محمود شريف بسيوني في (9 مايو 2016م) بانتهاء الحكومة رسمياً من تنفيذ جميع توصيات (اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق) التي استغلتها المعارضة للضغط على الحكومة من خلال استخدام وسائل الإعلام الأجنبية ومنظمات حقوق الإنسان المنحازة لتحقيق غاياتها وأهدافها في زعزعة الأمن والاستقرار وبعد أن حدَّدت الولايات المتحدة الأمريكية موقفها بوضوح وصراحة في الاجتماع الذي عقده وزير خارجيتها مع المعارضة في أبريل الماضي والذي استمر لمدة نصف ساعة. أليس على المعارضة أن تعي أن فرصة انقاذها الوحيدة هي محطة (2018) والتي دونها سوف تخسر كل شيء؟ وان كان الالتحاق بقطار الوطن رقم (98.4) في محطته القادمة (2018) الذي يسع جميع أطياف الشعب البحريني بحد ذاته تعبيرا صادقا للوطنية، فإن هذا القطار هو نفسه الذي مر بمحطات بارزة في طريق الإصلاح والتطور والعطاء، ولم يزل مستمرا في سباقه مع الزمن قاطعاً المسافات بعزم وقوة وإيمان ليصل محطته النهائية. المحلل السياسي للشؤون الإقليمية ومجلس التعاون