• أخطر ما في وسائل التواصل الاجتماعي هو أنها كشفت حقائق الناس الثقافية والعلمية والعقلية والنفسية، بل حتى الإملائية والنحوية!. لم يعد السفر هو الوسيلة الأمثل لمعرفة دواخل الناس وطباعهم، يكفي أن تتابع (تغريداتهم) أو أن ترافق أحدهم في (قروب واتساب) لتعرف عنه كل شيء!. الصدمة ستأتيك في الغالب من المشاهير وأصحاب المناصب والشهادات العليا الذين سيُفاجئك بعضهم إما بضحالة في التفكير لا تتناسب مع منصبه، أو بركاكة في التعبير لا تتفق مع شهادته، أو بجهل مدقع يضعك أمام تساؤل محير: كيف وصل هؤلاء الركيكون الذين لا يفرق بعضهم بين التاء المربوطة وأختها المفتوحة، ومن أوصلهم؟!. الإجابة بالطبع إنه (عمى الشهادات) الممزوج بشيء من (الواسطة)، وهو خليط بإمكانه صناعة الأعاجيب في مجتمعات تُقدِّس الألقاب أكثر من محتوى أصحابها!. • للشهادات -في كل العالم- دور في الصعود والترقي بالتأكيد، لكنها ليست كل شيء، فالكفاءة هي المعيار الأهم والأول، وهي من أوصلت (جون ميجور) في العام 1990 لرئاسة وزراء بريطانيا رغم أنه (راسب ابتدائية)، لقد اختاره البريطانيون لأنهم تحرروا من أسْر الشهادات، والتفتوا صوب الكفاءة والقدرة، على عكس مجتمعات مازالت تنظر للقائل قبل القول، وتسأل عن اسمه وشهادته قبل فكره وعلمه. ولعل في هذه المعادلة المقلوبة إجابة منطقية عن السؤال الكبير: لماذا تزدهر سوق الشهادات المزيفة في مجتمعنا؟!. • لست ضد الشهادات والتحصيل العلمي، لكنني بالتأكيد ضد أن يتحول هذا المبدأ (البراغماتي) إلى جدار عازل يمنع وصول المواهب الحقيقية، ويمنع الاستفادة من نتاجها الإنساني. فالإبداع منحة إلهية لا شهادة لها، تؤكد هذا عبقرية العقاد وماركيز واجاثا كريستي وأديسون وبيل جيتس، وقائمة طويلة من المبدعين الذين أضاءوا العالم رغم أن بعضهم لم يدخل المدرسة أصلاً!. • قليلون هم من يعرفون أن (باراك أوباما) الذي يحمل الدكتوراه في القانون لم يوقع ورقة واحدة بلقبه العلمي منذ ترك التدريس بهارفارد ودخل البيت الأبيض، وكذلك فعلت الألمانية (ميركل)، والسبب ببساطة أنهما يؤمنان أن الناخب اختار فكرهما وبرنامجهما الانتخابي ولم يختر شهادتهما.. ويا ليت قومي يعلمون.! m.albiladi@gmail.com