لا يزال الشاب رامي وأخوه الصغير عمر ينتظران بفارغ الصبر والدتهما التي غادرت سورية عقب خروجهما بأشهر، وعلقت على الحدود في اليونان... فقد وصل رامي وأخوه عمر( 9 سنوات) إلى فرنسا في تشرين الأول (اكتوبر) من العام الفائت بعد أن قطعا طريقاً طويلاً ومحفوفاً بالأخطار... وكان الإثنان ذاقا الأمرّين في ريف دمشق بعد أن وصل خبر وفاة والدهما في المعتقل. رامي الذي اعتبر معيلاً لأخيه من السلطات الفرنسية كونه بلغ العشرين من العمر، والذي يقيم مع عائلة صديق والده، يرى أنه «من الشبان السوريين المحظوظين لأنه استطاع بقدرة قادر أن يقدم تأجيلاً سابقاً للانخراط في جيش النظام، وتمكن من الهرب قبل أن يتم سحبه بالقوة إلى الجبهات». وأكد رامي الذي يقطن مع عائلة الصديق في قرية في جنوب غربي فرنسا، أن ما ينقصهما في غربتهما هو لم الشـــمل مع والدتهما التي أصيبت بمرض عصبي عقب وفاة والدهما، واضطرا لتركها في سورية قبل أن يغادرا مع عائلة «أبو رائد» التي قررت الرحيل وسـلوك طريق التهريب. يروي رامي أن «الأوضاع في سورية لم تعد تقتصر على ما نراه على الشاشات في الأخبار والتقارير التلفزيونية، أي مجرد حرب بين نظام يتمسك بالسلطة ومعارضة تسعى إلى التغلب على عدو متمرس... فالوضع الإنساني قاس جداً، والحياة في مناطق النظام تختلف عن مناطق المعارضة، ومن يعيش في إحدى المنطقتين لا يستطيع أن يتوجه إلى المنطقة الأخرى... كما أن الخطف من الطرفين، يعد من أكثر المشاكل التي تجعل السوريين يغادرون». ويضحك رامي بمرارة مشيراً إلى أنه ما زال يعاني من «فوبيا» الحواجز العسكرية في دمشق، لذا يحمل يومياً في جيبه ما حصل عليه من أوراق ثبوتية فرنسية... ويتذكر الحصار الذي فرضه النظام على حمورية، وفقدان أبسط الحاجات الإنسانية. أما «أبو رائد» فقد غادر سورية بعد أن فقد منزله وعمله في حمورية في ريف دمشق، قبل أن تحمله الأمواج من لبنان الى اسطنبول إلى أثينا وبعدها إلى صربيا والنمسا وألمانيا ثم فرنسا، بعدما عرض وزير الداخلية الفرنسي خلال زيارته مخيماً في ألمانيا استقبال عدد من العائلات السورية ومن بينها عائلته. يتحدث أبو رائد بحسرة عن أن الوضع في سورية أضحى أصعب مما يتصوره العقل... ففي المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد، يعني الذهاب إلى المسجد تسجيل اسم المصلي في قوائم النظام التي يعدها كل أسبوع، أما عدم الذهاب الى صلاة الجمعة في مناطق المعارضة فهو ذنب يعاقب عليه المتخلف عن المسجد... ويصف أبو رائد كيف تعرض للإهانة والضرب على أحد الحواجز العسكرية في دمشق، لتشابه في الأسماء، مضيفاً أنه أحس أن كرامته أهدرت. مستقبل أفضل يركز رامي على أن وجوده في فرنسا يعني مستقبلاً أفضل له، فمن بقي من أقرانه في سورية أضحى إما على الجبهات أو استشهد أو أنه في المعتقل، بخاصة أن حملات الاعتقال العشوائي مستمرة على يد قوات النظام... ويدرس رامي حالياً اللغة الفرنسية كي يعمل في مجال ورق الجدران والديكور الذي بدأ العمل به في سورية، كما يعتني بأخيه الذي أصبح مسؤولاً عنه بعد وفاة والده، وتأخر والدته في الخروج من سورية، ومحاولتها اللحاق بولديها. سألنا رامي إن كان سيعود مستقبلاً إلى سورية فأجاب: «لن أعود...أنتم لا تعرفون ما الذي حصل في سورية، فالجميع أصبح يحسب نفسه قائداً، وكثر تجار الحروب وازداد الغلاء في شكل فاحش، عدا أن معظم الأبنية انهارت». في حين يجد أبو رائد أن من بين المشاكل التي تهدد المجتمع السوري حالياً التفسخ التام للأخلاق، والسرقات حتى بين الأصدقاء، فقد عانى أبو رائد من سرقة منزله بعد أن غادره في حمورية من صديق له. ويروي أبو رائد أن أحد جيرانه في قدسيا (التي انتقل إليها بعد أن غادر منزله في حمورية)، أخرج سلاح «الكلاشنيكوف» وأطلق النيران في الهواء ليلاً بعد شجار مع زوجته، ما تسبب بخوف شديد لأطفاله... كما تذكر خوف عائلته من القناص ومن القذائف ومن تغير الأحوال المستمر في مناطق النظام والمعارضة، بخاصة أن قدسيا مقسمة قسمين. شبان وأطفال بلا عائلة أميلي المساعدة الاجتماعية للمنظمة التي استقبلت عائلة أبو رائد مع رامي وأخيه أوضحت لـ «الحياة» أن «حالة رامي وأخيه أقل قسوة من حالة العديد من الأطفال والشبان السوريين الذين يصلون وحيدين إلى فرنسا من دون أهاليهم، بعد أن فقدوهم أو تاهوا عنهم في الطريق، أو بقوا في بلدان أخرى». وأكدت أن بعض المنظــمات الفرنســية اضطرت لتخصيص أبنية مستقلة للأطفال السوريين مع مساعدات اجتماعيات مدربات، وأبنية أخرى للشباب لإدماجهم في المجتمع الفرنسي. وأوضحت أن منظمات مساعدة اللاجئين في فرنسا، بالتعاون مع الحكومة، تحاول جهدها لاستقبال العدد الأكبر من العائلات السورية، لكنها تصطدم بالعديد من الصعوبات والمشاكل.