ما زالت نساء أردنيات يتعرضن بين الفينة والأخرى للقتل بشتى أشكاله في سياق ما يوصف بأنه جرائم شرف والتي غالباً ما تكون نتيجة «قناعات» مبنية على الشبهة فقط. والكثير من الفتيات أو النساء، وسط هذة الظاهرة التي تسيطر على ثقافة مناطق الأطراف، يبقين يدرن بين رحى الحب والتقاليد والفقر الذي يجبر الكثير من الشباب عن العزوف عن فكرة الزواج بسبب البطالة أوغياب فرص العمل وارتفاع تكاليف المعيشة. واللافت ان بعض هذه الجرائم التي ترتكب بحق النساء لها غايات دنيئة اخرى ربما تتعلق بالميراث او مؤخر الصداق، لتقع المرأة في النهاية على حد سكين أقرب الناس إليها المتشبع بثقافة العار السائدة في مجتمع. ويشهد الأردن وفق أرقام وإحصائيات محلية حوالى 14 جريمة سنوياً بداعي «الشرف»، إلا أنه شهد خلال الثلث الأول من العام الحالي 2016 وقوع 12 جريمة قتل بحق نساء وفتيات، إذ إن كانون الثاني (يناير) شهد أربع جرائم قتل، وشباط (فبراير) ثلاثة، ولم يشهد آذار (مارس) أية جريمة قتل، بينما شهد نيسان (أبريل) خمس جرائم، وشروعاً بجريمة قتل واحدة. ووفق بيان لـ «جمعية معهد تضامن النساء» الأردني «تضامن»، فإن خمس جرائم ارتكبت رمياً بالرصاص، و4 طعناً بأداة حادة، و2 بالحرق وواحدة بالضرب الشديد المفضي إلى الموت. وتبين الأرقام أن الأزواج ارتكبوا ثلاث جرائم، والأقارب جريمتين، فيما ارتكب الأخ والعم جريمة لكل منهما. وتبين «تضامن» انه وخلال كانون الثاني تم العثور على جثة عاملة وافدة محترقة في أحد شوارع سحاب، مصابة بحروق تفحمية في الجزء العلوي. كما تم العثور على جثة سيدة ستينية في منطقة أم البساتين تعرّضت للطعن أربع مرات في منطقة الرأس، وتبيّن أن الجاني هو حدث من أحد أقربائها من الدرجة الثانية، كما تم العثور على جثة فتاة متفحمة في منطقة وادي شعيب في محافظة السلط ملقاة على جانب أحد ينابيع المياه، وفي منطقة الغويرية في محافظة الزرقاء قتلت ثلاثينية رمياً بالرصاص داخل منزلها حيث وجدتها ابنتها جثة هامدة لدى عودتها من المدرسة. وخلال شباط أقدم ستيني على قتل زوجته الخمسينية بالرصاص ومن ثم انتحر داخل منزلهما في منطقة حي نزال في عمان، وكان الزوج يعاني من اضطرابات نفسية وزوجته مصابة بمرض السرطان. وتوفيت فتاة (17 سنة) إثر تعرضها لرصاصة في الصدر بالرمثا، وفي منطقة رجم الشامي بالقرب من سحاب أقدم زوج خمسيني على قتل زوجته الأربعينية رمياً بالرصاص وإصابة أولاده الثلاثة ومن ثم انتحر. وخلال نيسان قتلت سيدة ستينية طعناً بأداة حادة على يد أحد أقاربها في منطقة الدوار السابع في عمان، وفي منطقة الرويشد في البادية الشمالية تم العثور على جثة شابة مصابة بعيار ناري، وتعرضت فتاة (16 سنة) لضرب شديد أدى إلى وفاتها على يد شقيقها في منطقة بيت رأس شمال مدينة إربد، فيما أقدم زوج سوري في الأربعينات من عمره على قتل زوجته السورية طعناً بسكين داخل منزلهما في منطقة الرصيفة، والزوجة في العقد الثالث، وقتلت طالبة جامعية عمرها 19 سنة طعناً على يد عمها البالغ 23 سنة داخل حرم جامعة العلوم والتكنولوجيا في إربد. وجدّدت «تضامن» في البيان مطالبتها الجهات الحكومية والبرلمانية ومؤسسات المجتمع المدني وصانعي القرار ورجال الدين ووجهاء العشائر، بتكثيف الجهود المبذولة لمنع ارتكاب جرائم «الشرف» في شكل خاص، وقتل النساء والفتيات والطفلات في شكل عام، وضمان عدم إفلات مرتكبيها من العقاب باتخاذ إجراءات إدارية وقانونية وتعديلات تشريعية عند الضرورة. ووفق دراسة أعدها المجلس الوطني لشؤون الأسرة في الأردن فإن 42 في المئة من نساء ضحايا الشرف عازبات، و42 في المئة متزوجات، بينما توزعت البقية ما بين أرامل ومطلقات، في حين أن 56 في المئة من الجناة كانوا متزوجين، و56 في المئة منهم عمالاً، ما يشير إلى انخفاض مستواهم التعليمي. وتمثّلت أدوات ارتكابهم للجريمة باستخدام الأسلحة النارية أو الأدوات الحادة. وبينت الدراسة وهي بعنوان «الأعذار المخففة في جرائم القتل بدافع الحفاظ على الشرف: الأبعاد القانونية والقضائية والاجتماعية والدينية» أن 69 في المئة من جرائم «الشرف» كانت ترتكب على يد الشقيق. ويستفيد الكثير من مرتكبي مثل هذة الجرائم من «العذر المخفف» المنصوص عليه في قانون العقوبات الأردني للإفلات من الإعدام او السجن لسنوات طويلة، حيث لا يتجاوز السجن في هذه الحالة سنوات قليلة. وتنص المادة (98) من قانون العقوبات على أنه «يستفيد من العذر المخفف فاعل الجريمة الذي أقدم عليها بسورة غضب شديد، ناتج من عمل غير محق وعلى جانب من الخطورة أتاه المجني عليه». وفشلت الحكومة الأردنية مرتين في إلغاء هذه المادة بسبب رفض مجلس النواب مدعوماً بالقوى الدينية والعشائرية. وبيّنت الدراسة أن 56 في المئة من الضحايا ضمن الفئة العمرية 18 - 28، مشيرة إلى أن 45 في المئة من الجناة كانوا من ضمن الفئة العمرية ذاتها. وأرجع الشيخ أحمد غريس، ويعمل في وزارة الأوقاف الأردنية، هذا النوع من الجرائم إلى غياب دور الأسرة في التربية على الأخلاق والمثل العليا، اضافة الى تغييب تعاليم الدين الإسلامي الحنيف عن افراد هذه الأسر. وكشف غريس عن أن الكثير من هذه الجرائم التي ترتكب بذريعة الشرف هي في الحقيقة من أجل احتكار الميراث مثلاً أو عدم دفع مؤخر «الصداق» المنصوص عليه في عقد الزواج من جانب الزوج الذي يفكر في تطليق زوجته، فيما قال المحامي علاء الدين القدومي، ان نص المادة 98 من القانون يشجع على ارتكاب هذا النوع من الجرائم لأنها أعطت الجميع عذراً مخففاً بحجة أن الجاني كان في سورة الغضب. وأوضح أن من يرتكب جرائم الشرف هو مجرم، ولكنه يستخدم ذريعة الشرف، وأحياناً تكون لغايات كثيرة غير الشرف.