عاشت الكاتبة الروسية الساخرة ناديزدا ألكسندروفا لوكفيتسكايا بين أفول الإمبراطورية الروسية وظهور الثورة البلشفية، قبل أن تهرب إلى المنفى. وشكرًا لها، فقد سهلت الأمور على الناس، واختارت الاسم الأدبي «تيفي». وبعد كل تلك السنين، ظهرت مذكراتها الآن مترجمة بالإنجليزية، إضافة إلى كتاب عن فاسق روسيا الشهير «راسبوتين». تُصور «تيفي» الوضع البشري في حالات الشدة والرعب على ما هو. يترك الإنسان عقله وثقافته جانبًا، وينصرف غريزيًا إلى الاهتمام بشيء واحد، هو سلامته. وإذ رأت نفسها مع المجموعة التي تسافر برفقتها محاصرين في محطة قطار أوديسا، تقول: «لقد شعرنا بالدفء والطمأنينة. صحيح أننا أسرى، لكن لا أحد يطلق علينا النار. ماذا نريد أكثر من ذلك؟». وتلاحظ تلك اللحظات الرهيبة في حياة الإنسان، عندما يستولي الجسد على العقل أمام الموت، فتصف الرجل المحكوم بالإعدام وهو مساق إلى الرمي بالرصاص فوق الجليد: «فيحاذر أن يطأ الوحل، ويرفع قبة معطفه ليحمي صدره من الريح الباردة». وصف لي صديق مرة، متفاخرًا فرحًا، كيف ضمن «أسباب الراحة» في ملجأ المبنى، خلال حرب لبنان. قال مبتهجًا: «كل شيء كان هناك؛ الثلاجة والغاز والمايكروويف». ونسي الرجل تمامًا أنه يتحدث عن حرب دفعته مع أطفاله إلى الحياة تحت الأرض لفترة طويلة. الحروب تحوّل البشر إلى جرذان سعيدة. لا يعود مُهمًا أن تحصل على الكتاب الذي تريده، ولا أن ترى الصديق الذي تحبه، ولا الحديقة التي تتمتع بالتنزه فيها. كل شيء يصبح خارج الحياة، إلا رغبة البقاء. هكذا تحوّل الديكتاتوريات الإنسان إلى مخلوق خائف، لا يَرتجي شيئًا سوى البقاء. تصف «تيفي» لينين، الذي قابلته غير مرة، بأنه كان ذا منظر أقل من عادي، وكانت له موهبة واحدة، هي أن يتفرس في كل من حوله لكي يقرر كيف يمكن له استغلاله. الأنظمة المشابهة تحرص على أن تحرم خصومها وحلفاءها من الشعور بالطمأنينة والاستقرار. رأت «تيفي»، وهي تعبر روسيا في طريقها إلى الخارج، أن جميع الناس هائمون بلا أهداف، لا يعرفون أين يكونون في اليوم التالي. معظم الذين أعدمهم ستالين كانوا رفاقه. لا أحد يجب أن يذهب إلى سريره وهو مطمئن. ويجب على كل إنسان أن يشك في نفسه، وأن يرتعد مثل معتقلي محطة القطار في أوديسا. سعادته الوحيدة أنه حي، وثلاجة في الملجأ.