بين عامي 2009 و2010 وجد مدمنو الحشيش المصريون صعوبة شديدة في الحصول عليه، وحينما اندلعت ثورة يناير 2011 سرت نكتة بأن من ضمن أسبابها استفاقة عشرات الآلاف، فانتبهوا إلى واقعهم المرير. أما اليوم فباتت نسبة الإدمان في مصر ضعف المعدلات العالمية، وفقاً لتصريحات لوزيرة التضامن الاجتماعي غادة والي مؤخراً. وكانت والي صرحت بأن نسبة الإدمان بمصر ضعف المعدلات العالمية، وربع المتعاطين نساء، معلنة عن زيادة مراكز علاج الإدمان. كما أعلنت الوزارة تخصيص جائزة مقدارها مليون جنيه (نحو تسعين ألف دولار) للأعمال الدرامية الخالية من مشاهد الإدمان والتدخين، وذلك لتنظيف الدراما من مشاهد المخدرات وتعاطيها. ويرى خبير الصحة النفسية أحمد عبد الله أن الكارثة أعمق من سطحية التناول وهشاشة المعالجة، فالمكونات الخاصة بحياة المصريين اليومية ميتة مميتة، حيث يولد الفرد في بيت أفراده منشغلون بضرورات الحياة، ولا يوجد تعليم حقيقي في المدارس، ولا تتوافر أماكن للهو البريء، فيظل المرء سجين الضغوط، بلا أنشطة إنسانية تدعم النمو الوجداني. والي: ربع متعاطي المخدرات نساء (رويترز) اكتئاب وأضاف أن الآلاف مرشحون للاكتئاب والسقوط في العوالم المتوهمة عبر العقاقير المخدرة بأنواعها، هروباً من جحيم متكرر بلا نهاية، نتيجة العمل المتواصل في ظروف صعبة، ثم الاستلقاء أمام التلفزيونالذي يضاعف المعاناة عبرمشاهدة عوالم أخرى جميلة تذكره بواقعه البائس. وقال إن هذا أيضا ينطبق على "المرأة الواقعة في طاحونة العمل والخدمة المنزلية، لذلك دخلت المرأة نطاق الإدمان بهذه النسبة الكبيرة". أما الثري المدمن "فهو ينخرط في دوائر من الأصدقاء المدمنين، وهو يتعاطى كعضو بالمجموعة، ولو توقف سيكون عليه تركها". وقلل عبد الله من أهمية المواجهة الرسمية، حيث يغلب عليها طابع التقليدية، مضيفا أن "العالم لا يحارب الإدمان بهذه الطريقة، بل يدفع الإنسان لدخول بوابة الحياة باتساعها، ولكن أين هي تلك الحياة أصلاً بالنسبة للمواطن؟" ورأى الخبير النفسي أن نسبة المدمنين المذكورة واقعية جدا، والتوتر المجتمعي الحاصل يؤثر كثيراً حتى على الحالة الجنسية، فيلجأ البعض للمخدرات بهدف تحسين أدائهم جنسياً. وأضاف أنه لصعوبة تغيير نمط الحياة التي كانت سبباً في التعاطي، نجد نسبة الرجوع للمخدرات بعد الإقلاع لا تقل عن 90%، مؤكدا أن مراكز علاج الإدمان تقوم بعلاج وقتي، بمجرد تنظيف الجسم، وكثير منها محضتجارة كبيرة. عبد الله: المكونات الخاصة بحياة المصريين اليومية ميتة مميتة (رويترز) نسبة أكبر ووفقا لمختص بأحد مراكز علاج وتأهيل المدمنين -طلب عدم الكشف عن اسمه- فإن "نسبة الإدمان في مصر أكبر مما ذكرته الوزيرة بالطبع، فكثير من الفئات من كل الأعمار والطبقات ضربها الإدمان، وأحد الشباب -كان يتم علاجه بالمركز- قال إن النسبة الغالبة ممن يعرفهم من زملائه مدمنو مخدرات بأنواعها، ومن لا يتعاطى يعد متخلفاً وفق نظرة المجموع له". وتابع المختص أن الأخطر من الإدمان وارتفاع نسبته، هو انتكاسة من تلقوا العلاج، وخاضوا فترة التأهيل النفسي للانخراط في المجتمع، فالكثير من العوامل التي أدت لإدمانهم أول مرة لا تزال تحاصرهم بفاعلية، لتصبح انتكاستهم طبيعية. وأضاف أن الدواء لن يغير سلوك ومفاهيم المدمن، وحتى البرامج المتخصصة التي تساعد على معايشة الحياة كما هي دون الرجوع إلى الإدمان النشط، تصبح بلا فاعلية في مواجهة عوامل تدفع للسقوط في الهوة مجدداً.