×
محافظة المنطقة الشرقية

«مجلس التعاون الخليجي» يحتفل بالذكرى الـ35 لإنشائه.. غداً

صورة الخبر

الجيل الجديد في مصر لا أول الغاضبين ولا آخرهم. لكل جيل تجربته مع الغضب بحسب سياق التاريخ وتحدياته. لا يوجد جيل واحد لعب أدواراً جوهرية في التاريخ الحديث لم يرتبط صعوده بأسباب غضبه. روح الغضب ليست تعبيراً طارئاً على ظاهر الحوادث، إنما جوهر الصعود إلى مسارح التاريخ. هناك فارق بين الغضب عن رؤية والجموح عن انفعال. جميع الانتفاضات والثورات المصرية لخصت قوة الغضب العام على أوضاع لا يمكن احتمالها ولا يقبل استمرارها. الحركة الوطنية التي تأسست في مطلع القرن العشرين بزعامة الشاب العشريني مصطفى كامل انطوت على غضب من الأسباب التي أفضت إلى هزيمة الثورة العرابية واحتلال مصر عام (1882). نفس الجيل قاد ثورة (1919) لكن بزعامة سعد زغلول في عالم ما بعد الحرب العالمية الأولى، طلباً للاستقلال والدستور. إحدى مآسي السياسة المصرية غياب فكرة التراكم التاريخي، فكل ثوراتها حاولت أن تنسخ ما قبلها كأنه لا يوجد أي وشائج. تناقضت ثورة (1919) بزعامة سعد زغلول مع توجهات مصطفى كامل بقدر ما تناقض الأخير مع سياسات أحمد عرابي. بصورة مقاربة تباعدت المساحات بين ثورة يوليو بزعامة جمال عبد الناصر وثورة (1919) كأنهما على تناقض لا يمكن ردمه. الأمر نفسه بدا مفجعاً أثناء ثورة يناير (2011) باصطناع تناقض مع ثورة (1952) رغم أن توجهاتها العامة تكاد تكون طبعة جديدة في ظروف مختلفة لما طمحت إليه يوليو. اختلاف العصور والأجيال شيء ونفي أي صلات شيء آخر. من حق الجيل الجديد أن يقرأ التاريخ على النحو الذي يتسق مع تطلعاته، أن ينظر خلفه في غضب بحسب عنوان مسرحية بريطانية ذاع صيتها مطلع السبعينات وألهمت جيلها، أو أن يتمرد على المألوف. أسوأ خيار ممكن فرض الوصاية على المستقبل بقوة القمع أو قهر الروح. الحق في الخطأ من طبيعة أي تقدم، فالذين لا يخطئون لا يتعلمون. بعد أثمان فادحة استقر في الوعي العام تكامل حلقات الوطنية المصرية وجرى رد اعتبار جميع ثوراتها. في النهاية يصحح التاريخ نفسه ويرد اعتبار تضحياته وتجاربه، أياً كانت المثالب والأخطاء. عندما لا نصحح فإننا نظلم الذين ضحوا بشرف لصالح من صعدوا بلا استحقاق. أي تصحيح مسألة حوار، وأي إملاء جهل بالحقائق. لا القهر يؤسس لاستقرار ولا المصادرة تصلح لبناء. الصدام المفتوح مع الجيل الجديد رهان خاسر سلفاً، ولا يملك أحد إصدار أوامر اعتقال لما في الصدور من غضب يشتعل وأحلام تكسر. غضب أي جيل جديد ليس جريمة، فهو جوهر أي حركة للمستقبل. إذا لم يكن هناك غضب على أسباب التخلف والفساد والاستبداد لا أمل لأي مجتمع. نقيض الغضب المشروع الاستكانة لخيبات الأمل. عند كل انعطاف تاريخي مرت به مصر لخص غضبها أنبل ما فيها. بإلغاء النحاس اتفاقية (1936)، التي وقعها هو نفسه، انفجرت بين عامي (1950) و(1953) عمليات فدائية في منطقة قناة السويس ضد معسكرات الاحتلال البريطاني. كانت تلك واحدة من الوقفات الكبرى لجيل (1946) بأفكاره وتنظيماته وأحلامه وغضباته واستعداداته للتضحية. بكلام آخر، أسوأ ما قد يحدث لأي بلد إغلاق طرق المستقبل وكسر جيله الصاعد. تجربة السبعينات ملهمة تماما في مثل ذلك النوع من الصدام مع المستقبل. في تظاهراتها الطلابية بدا تحرير الأرض التي احتلت عام (1967) نقطة المركز لتفاعلات جيل جديد يعلن عن غضبه على الأسباب التي أفضت إلى الهزيمة. ارتفعت دعوات تعبئة الجبهة الداخلية والتدريب على السلاح مع نداءات توسيع المشاركة في القرار السياسي. لم تكن مصادفة أن يلهم شعار كل الحرية للوطن وكل الديمقراطية للشعب الغاضبين الجدد. كانت تظاهرات (1968) التي أعقبت الهزيمة مباشرة مقدمة لما سوف يتبلور بعدها فيما يعرف بجيل السبعينات. تلخص صرخة نحن جيل بلا أساتذة بتعبير أديب سكندري الحالة الوجدانية لذلك الجيل، كأنها قطيعة مع الماضي بكل إرثه الفكري والسياسي أو إنكار لأي إسهام سبق في تشكيل الوعي العام. صرخة الغضب جافت الحقيقة بصورة كاملة، فلا أحد يولد من فراغ دون أن يكون هناك من مهد الطريق أمامه، لكنها عبرت عن ضجر جيل جديد بحكمة من سبقوه والوصاية عليه. في لحظات التحول الحادة تتصارع التوجهات والأفكار والمصالح بضراوة وتكاد تغيب عن المسارح السياسية الملتهبة أي مساحات رمادية. لم تكن سياسات أنور السادات قد أخذت مداها لكن الحملات الإعلامية أشارت إلى انقلابات استراتيجية واجتماعية أكثر خطورة تلوح في الأفق القريب. في لحظات الصعود، كما لحظات الانكسار، تتأكد قوة الأفكار في حسم كلمة التاريخ الأخيرة. قوة الضمير العام فوق سطوة السلطة، والوزن النسبي لما ترتب على الاحتجاج السياسي زلزل مكانة الرئيس الراحل. لا يمكن لأحد أن يكتسب قيمته في التاريخ، وهو في صدام مفتوح مع حركة غضب منحت مصر أغلب نخبتها السياسية والثقافية لأكثر من أربعة عقود متصلة. حيث حرية التفكير تبنى الكوادر عن اقتناع حقيقي وتترسخ القيم الوطنية العامة وتكسب معارك المستقبل. إذا لم نقر شرعية الغضب ونصالح المستقبل فنحن لا نعرف شيئاً عن الأجيال الجديدة لا الآن ولا في أي تجربة سابقة.