×
محافظة مكة المكرمة

وفاتان و4 إصابات في حوادث بالطائف

صورة الخبر

عندما نلتقي بعدد من أولياء الأمور أثناء زيارتهم للمدارس ويأتي مجال للحديث فيه عن التعليم «أيام زمان» يكثرون الحديث عن فقدان العقاب في مدارسنا وأنه ضروري في التربية، وكم فقد التعليم قيمته عندما تم التخلي عنه، وفي هذا الكلام حق اختلط بباطل شوّه حقيقته. يعتقد بعض الناس من أولياء الأمور أو المعلمين أن أساليب الزجر والتهديد والجلد هي خير طريقة لضبط الوضع وفرض بيئة صالحة للحياة في نظرهم، كما أن هناك من الناس من يفرط في التنظير مما يوصل التربية والتعامل مع الأطفال حد الميوعة، وهنا يقع عديد من شرائح المجتمع على طرفي نقيض في كيفية التعامل مع أبنائهم، وربما هناك عديد من المعلمين يقعون في هذا المنزلق التربوي الخطير الممتزج ما بين ثقافة التدليل المفرطة والحماية المبالغ فيها التي يرى فيها الوالد أن ابنه لا يمكن أن يقع الخطأ منه في أي حال من الأحوال، وبين من يستعيض عن هذا بالعقاب الشديد والقسوة المفرطة، لأن كلتا الحالتين لا يمكن أن تخلق منه إنساناً سويّاً، فالتصرف الأول لا يساعد الابن على مواجهة الحياة عندما يكبر ويلتقي بالناس والمجتمع، وبينما التصرف الآخر سيؤدي به للعدائية مع الناس، وربما الوقوع في الجريمة بعد ذلك. العقاب ضرورة لكن يجب أن لا يكون هو الحل الأول والرئيس لجميع المشكلات، لأن مثل هذا التصرف سيحطم العلاقة الودية المطلوب توافرها خاصة مع الأطفال الذين لم يبلغوا درجة التكليف الشرعي. أفضل حالات العقاب مع الأبناء أو الطلاب عندما يتم منع المشاغب أو المزعج منهم من ممارسة الأشياء التي يحبها أو يمارسها زملاؤه في الفصل أو إخوته في المنزل؛ مثل منعه من ممارسة الرياضة أو منعه من ممارسة بعض الألعاب، وحتى المعلم الذي لا يدرّس الطلاب مادة التربية البدنية في الإمكان أن يمارس هذا الدور عندما يطلب من زميله معلم المادة بأن يمنع الطالب الفلاني من اللعب في حصة الرياضة بسبب ما يلاحظ عليه من تصرفات سلوكية خاطئة، أو يجد عنده بعض التأخير الدراسي في عدد من الدروس. المشكلة التي يعاني منها التعليم هذه الأيام هي أن العقاب أصبح في حد ذاته مصيبة لا تغتفر، بسبب التشديد على منع الضرب في المدارس علماً بأننا نعلم جميعاً بأنه «من أمِن العقوبة أساء الأدب» حيث صار بعضهم يميعون مثل هذه الأمور، حتى إن بعض الطلاب عندما يتم الاعتداء عليهم من زملاء لهم في المدرسة بالضرب، يتفاجأ الجميع بأن هذا الطالب المعتدى عليه قد اقتص لنفسه بيده، وعندما يتم تأنيب الضارب والمضروب يدافع الأخير عن نفسه بأن المدرسة لا تفعل إلا تسجيل المخالفات وأخذ التعهد والخصم من درجات السلوك. ديننا الإسلامي الحنيف يطالب المربين وأولياء الأمور بعدم الضرب على الوجه والشتم والسب للمسيئين أو لمزهم بأوقح الألقاب، لكنه لم يترك الإساءة تمرّ بسلام، غير أن المنغمسين في نظريات الغرب تمردوا على حدود الله بحجة أن بها عنفاً وشراسة، مع العلم أن الله سبحانه وتعالى قد أقرّها ونفذها نبيّه الكريم عليه السلام وتبعه خلفاؤه الراشدون الأربعة من بعده، لكن الذين فهموا الحياة بشكل أعمق من الرسول والخلفاء الراشدين يقدمون للمجتمع نظريات متطورة في التربية غفل عنها هؤلاء الخيرون من صفوة البشر لا سمح الله-. قد يقول قائل بأن الكلام الجاد الحازم لمواجهة بعض الممارسات السلوكية الخاطئة أفضل بكثير من مدّ اليد أو التلفظ بالألفاظ القاسية العنيفة، ونقول له هذا صحيح ومنطقي، فليس كل خطأ يرده العنف، ولا ينبغي أن نمارس القسوة في المواطن التي لا تتطلب الشدة، وعليه فإن هناك مواقف يجب أن يتم فيها ردع المؤذي بضربه الضرب غير المبرح، الضرب الدافع للتأديب، وعلى هذا الأساس لا بد لنا من الإقرار بأن العقاب هو من الوسائل الإصلاحية، ولا يُفهم من إطلاق كلمة «العقاب» بأنه الضرب والعنف، بل العقاب التربوي الذي يتم استخدامه بطريقة صحيحة، وذلك أن كل طفل بحاجة إلى الانضباط كي يسلك سلوكاً مقبولاً تجاه الآخرين ويتعلم حدود الحرية، وفي بعض الأحيان يكون العقاب أمراً لا مناص منه وذلك عندما يتجاوز الطفل حدوده في الأدب وتتلاشى معه كل محاولات تقويمه وإصلاحه.