لدينا أزمة صريحة مع تداول الخبر، هذه الأزمة مزيج ما بين الجهل وانعدام المسؤولية والفراغ، تمريرنا المخجل للأخبار والمعلومات المضللة والروابط المخجلة يشرح كيف أن التلاعب بعقولنا لا يكلف شيئاً عدا بضعة أسطر مبهرة وقليل من الكذب المضاف بعناية ليكون صالحاً للتمرير من طبل لآخر، لا يفكر أحدنا ولو لبضع ثوان قبل صناعة البالونات الخبرية في الفائدة منها وما تأثيرها والمحصلة الختامية من هذا السباق المنتهي إلى مجتمع يسعى بالإشاعة على كتفه ولو كان فيها حتفه. كثير من التحـــليلات والـــتوقعات والأخبار نمررها يومياً بما هو أقرب للحـــمق وأعلى من الألم، شهوة كبيرة بين أرواحنا للنقل والقص والنــشر والتخــويف وبــث القلق، لا تدقيق على ما يقع بـــين أيدينا من الأكـــاذيب المـــزروعة بعـــمق ولهدف ما، ولا تغــليب للتجـــاهل والركن وإماتة الباطل مبكراً، ولا نية للصمت حين يكون ضــرورة ومطلباً في وقت ملائم لنســج الحكايات والخيبات والمخاوف والسطور الملغمة. ليحسب كل منا مساهماته في هذا الضجيج الشعبي والتسطيح العام للوعي وليسأل نفسه: لماذا كان مساهماً فيه؟ ومن أجل من؟ ما ثمار أن يوزع المنتجات الرديئة ويعلبها في غطاء من انكسار؟ لماذا نسيء التعاطي مع الحراك العام ونجيد التفاعل مع الحراك الخائب؟ رغبتنا في التهويل والسباق نحو المجهول مرتفعة، ولكم أن تتخيلوا تناقضاً أكبر من هذا: أحدهم يرسل نصوصاً دينية عن أخطار الفتن وأن المؤمن للمؤمن كالبنيان والثبات في الأزمات وعلى هذا النسق، وتجده في أوقات أخرى أول المشاركين في مسرحيات الإشاعات ومسلسلات الكذب السريع التحضير وباستخدام أقل عدد من أصابع اليد الواحدة. أخبار كثيرة أشعلت ساحات التواصل وقدمت لنا محللين في السياسة وعلم الاجتماع وعلم الجريمة والشريعة وخبراء في الأمن القومي تنتهي بعد زمن وجيز إلى حقيقتها الكبرى «لا صحة لما يتم تداوله»، وليت لي أن أرى لحظتها وجوه الكاذبين والموزعين الحصريين لكل ساقطة ولاقطة، والمخدوعين بوهم أن ما يرد من معلومات أو حقائق غير متوافر سوى على يد هذه الفئة المهووسة بكل شيء إلا التثبت واللصيقة بكل صفة إلا الصدق والجريئة لأي فعل إلا التأكد. تابعوا من حولكم، دققوا في ما يصلكم، اضحكوا كثيراً قبل أن تتألموا، وتأملوا كيف أن الرغبة تجري في عقول بعض البسطاء للحضور كمخبرين أو موجودين في الحدث وهم عاجزون عن التفريق بين الكلمات الشهيرة «صحيح، خطأ، ضار، نافع، مؤجج، مطمئن»، يتناسى هؤلاء أنهم شركاء في ما يحدث من ترويج للكذب وتأجيج للفتن، ولا يدور ببالهم كونهم وكلاء بالنيابة وبالغباء لمن يطبخ هذه السموم والخدع على طبق بارد ثقة منه بأنه متوافر في السوق الاجتماعية من مهمته التوزيع والتلميع والتبرع الدائم بعقله حين لم يجد شيئاً مناسباً ولائقاً يفعله سوى «أضحوكة جاري الكتابة»، وهي أضحوكة أساسها لعبة مزعجة وركيكة وفاضحة، اسمها القص واللصق تعلمها الصغار كفن تشكيلي، واستوعبها الكبار كفعل تشكيكي تحريضي سخيف.