لم يبحث معظم النخب السياسية السورية في الداخل والخارج، في العمق، خلفية وأبعاد تمسك الأسد بقرار إجراء انتخابات مجلس الشعب في 13 نيسان (أبريل) الفائت، إذ تقاطعت القراءات في الشكل، بين معارضي النظام ومؤيديه، مع اختلاف الدوافع والنوايا لكلا الفريقين، فيما توارى المضمون، خلف الحضور الطاغي والمستفز للحدث، حيث عكف الفريقان على قراءة التوقيت والرسائل الموجهة للداخل والخارج، كل وفق موقعه ومصلحته السياسية، ما ولد سجالاً مضافاً، ساهم في إخفاء المخفي. فالمعارضة وعلى رأسها وفد الهيئة العليا للمفاوضات، رفضت الاعتراف بشرعية هذه الانتخابات، ووصفتها بـ «المسرحية الهزلية»، كما رأت فيها ذريعة من النظام لإطالة مفاوضات جنيف 3 وكسباً للوقت وتحدياً سافراً «للشعب السوري والمجتمع الدولي»! وهذا ما جاء متناغماً مع ما قاله مارك تونر المتحدث باسم الخارجية الأميركية: «لن نعتبر هذه الانتخابات شرعية، إذ لا تمثل إرادة الشعب السوري»، مضيفاً أن إجراءها سابق لأوانه، راهناً، في ظل مواصلة المفاوضات في جنيف. على الجانب الآخر، يرى مؤيدو النظام ورموزه وحلفاؤه أن إجراء الانتخابات استحقاق دستوري، منفصل عن مسار المفاوضات، إضافة إلى أنها تبعث برسائل تحدٍ للحلفاء قبل الخصوم مفادها «أننا مستقلون في أخذ قراراتنا السيادية»، وهذا ما عكسه تصريح وليد المعلم، حول كلام دي مستورا عن انتخابات نيابية ورئاسية خلال 18 شهراً، بقوله: «برلمانية... هذا نص موجود في وثائق فيينا وقرار مجلس الأمن، أما رئاسية، فلا يحق له ولا لغيره كائناً من كان، أن يتحدث عن انتخابات رئاسية... إنه حق حصري للشعب السوري»! طبعاً هذا الموقف أحرج الحليف الروسي، لا سيما بعد رفض جون كيري للأسلوب والطرح المستفز للمعلم، لجهة وضع شروط مسبقة أمام العملية التفاوضية، ما استدعى تدخل مستشار الرئيس بوتين، ديمتري بيسكوف، للطلب من النظام إبداء بعض المرونة. ولأن الروس حريصون على استمرار التنسيق والتفاهم مع الجانب الأميركي، كان على لافروف مهمة احتواء الموقف المستفز، وذلك حرصاً على عدم إحراج الإدارة الأميركية. فمواقف كهذه ستدفع الإدارة ولا شك إلى التصعيد والتأزيم، وهو ما لا تريده موسكو، ومن هنا حرص لافروف على موازنة الحدث بدبلوماسية تخفيف التوتر، على طول خط دمشق- واشنطن، بالقول: «هناك تفاهمات على أن وضع دستور جديد سيكون من نتائج العملية السياسية في جنيف، لذا ستجرى انتخابات مبكرة على أساسه، ولكن طالما لم يحدث ذلك، فلا يمكن السماح بحدوث فراغ قانوني في سورية، والانتخابات الحالية تهدف إلى عدم السماح بذلك»!. بهذا التبريد في الخطاب السياسي، جاء كلام الرئيس الأسد في مقابلة مع تلفزيون «إي آر دي» الألماني، حيث قال: «إن الانتخابات ليست هواية ولا وجهة نظر، بل تعكس الدستور الذي علينا الالتزام به، وهذا ليس حق الحكومة، بل حق كل مواطن سوري»! مؤكداً في الوقت عينه، ما اعتبره خطوات رئيسة للمرحلة الانتقالية. وقبل الحديث عن سورية الجديدة، علينا القول إن ما ساقه المعلم ولافروف والأسد في شأن الانتخابات كمجرد إجراء دستوري وقانوني، لا يعدو كونه حجة، تخفي عاملاً سياسياً يراد تمريره، كما أن هذه الحجة مردود عليها بالمنطق القانوني ذاته، وهو أنه كان بالإمكان تأجيل هذه الانتخابات، وفقاً للفقرة الثانية من المادة 62 من الدستور الحالي، والتي جاء فيها «يستمر المجلس في الانعقاد حكماً إذا لم ينتخب غيره، ويبقى قائماً حتى يتم انتخاب مجلس جديد». وبما أن النظام وحلفاءه، وافقوا على الالتزام والتمسك بالقرار الأممي الرقم 2054، الذي «يعرب عن دعمه لعملية سياسية بقيادة سورية تيسرها الأمم المتحدة، والتي تقوم في غضون ستة أشهر بتشكيل حكومة شاملة وغير طائفية وتتمتع بالمصداقية...» فالسؤال هنا، إذا كنا ذاهبين إلى انتخاب مجلس جديد تشارك فيه المعارضة، فلماذا هذه الانتخابات؟. الجواب يدل عليه القانون الرقم 8 لعام 2016، والذي جاء لتعديل قانون الانتخابات الرقم 5 لعام 2014، حيث عدلت المادة 6 من القانون الرقم 5... لتصبح: «يوقف حق الترشح لعضوية مجلس الشعب أو عضوية مجالس الإدارة المحلية عن عسكريي الجيش وقوى الأمن الداخلي طيلة وجودهم في الخدمة». وعليه، طاول التعديل الفقرة أ من المادة 67 من القانون الرقم 5 لتصبح: «يمارس الناخب حقه في الانتخاب أو الاستفتاء بموجب بطاقته الشخصية أو العسكرية». وبهذا التعديل، يكون الأسد أدخل كتلة انتخابية وازنة ومؤثرة، تتبع بالولاء له باعتباره القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة!. وإذا أضفنا كوادر البعث وأحزاب الجبهة ومعها الاتحادات والنقابات والجمعيات معطوفاً عليها الأحزاب المرخصة حديثاً، ناهيك عن المعارضات التي تدور في فلكه، وطرحنا في المقابل المهجرين والبيئات الحاضنة لداعش والنصرة ومن يحالفهم، فإننا سنعلم بلا شك بأن سورية الجديدة هي سورية الأسد! * كاتب سوري