مدريد: رالف ميندر أثار اختيار القاضي بابلو روز، ابن الرابعة والثلاثين عاما، ليحل محل بالتثار غارثون أشهر قضاة التحقيق في إسبانيا، الدهشة عندما تم توقيف غارثون بتهمة التنصت غير القانوني. لكن القاضي روز سرعان ما جعل من نفسه اسما مألوفا لدى الجميع، عندما قاد التحقيق الخاص بالأموال التي حصل عليها سياسيو الحزب الشعبي الحاكم، وهو ما يشكل تهديدا لرئيس الوزراء ماريانو راخوي الذي تقرر أن يمثل أمام البرلمان اليوم الخميس لتفسير وسائل تمويل حزبه. أسهمت القضية في ظهور نجم القاضي روز في القضاء الإسباني. لكن في الوقت الذي تستقيم فيه القضية ببطء، فإنها تهز السياسة الإسبانية بسلسلة من التسريبات إلى وسائل الإعلام الإخبارية عن الأدلة والشهادة من جلسات الاستماع المغلقة، وكشفت أيضا ما أقر به مؤيدو أو منتقدو القاضي على السواء من قصور في نظام القضاء الإسباني. هناك توافق بين الجمهور والسياسيون من جميع المشارب على أن المحاكم في البلاد تغص بالقضايا، ويسهل تسييسها وهي عرضة للتأخيرات المنهكة، وأن مسار العدالة يتحول في كثير من الأحيان ضد الشخصيات وأولويات قضاة مثقلين بالأعباء إلى حد كبير. تغص المحاكم الإسبانية بنحو 800 قضية فساد منذ بداية الأزمة المالية في عام 2008، وبعض القضايا التي تستهدف المؤسسات التي لم تكن محلا للنقد في السابق، بما في ذلك العائلة المالكة. وترجع أهمية وحجم القضايا من هذا القبيل إلى أن القضاة، الذين يأخذون زمام المبادرة في التحقيقات هنا بدلا من النيابة العامة، يبدون في كثير من الأحيان وكأنهم يتفوقون على الساسة كصناع القرار الأكثر أهمية في البلاد. وقال أنطونيو غاريغيس، رئيس غاريغيس، أحد أكبر شركات المحاماة في إسبانيا إن إسبانيا تعاني من تداخل العدالة مع السياسة، «فعندما تكشف وسائل الإعلام عن فضيحة، يسود هذا المناخ العاطفي المشحون ويصبح من المستحيل الوصول إلى أحكام عادلة وصحيحة، أو أي حكم على الإطلاق، كما يبدو في كثير من الأحيان». ومن بين 800 قضية فساد لم تصدر إدانات سوى في عدد محدود منها ولم يتم التوصل إلى نتائج حتى الوقت الراهن. وقال جواكيم بوش، القاضي الذي يشغل أيضا منصب المتحدث باسم رئيس جمعية «قضاة من أجل الديمقراطية»، وهي جمعية تسعى إلى تحسين القضاء الإسباني: «المحاكم الإسبانية ببساطة ليست مهيأة، ولا تملك الوسائل الملائمة للتعامل مع هذا النوع والكمية من القضايا التي شهدناها في الآونة الأخيرة». وأشار القاضي بوش إلى أن عدد القضايا تزايد إلى ضعفين أو ثلاثة أضعاف على مدى السنوات الخمس الماضية نتيجة الفضائح المتكاثرة، وهو من جعل المحاكم المختصة بقضايا الفساد المالي أو السياسي «تقف على حافة الانهيار». في غضون ذلك، تراكمت لدى القضاء أكثر من ثلاثة ملايين شكوى لم يتم التعامل معها، وهو عبء يتوقع القضاة أن يزداد نتيجة التخفيضات في الميزانية الحكومية، وهو ما دفع أكثر من ألفي قاض في فبراير (شباط) الماضي، إلى الدخول في إضراب ليوم واحد احتجاجا على تدهور ظروف العمل. ونتيجة لهذه التأخيرات، والتسريبات المستمرة والفضائح الخاصة بهم، تساوت محاكم إسبانية في عدم ثقة الجمهور بها مع نسب التأييد المتردية للسياسيين الموصومين بالفساد. وفي استطلاع للرأي أجري لحساب صحيفة «إلباييس»، أقر 92% من بين ألف شخص شملهم الاستطلاع هاتفيا في يناير (كانون الثاني) الماضي بأن بطء المحاكم زاد من صعوبة مكافحة الفساد. وقال خوسيه لويس غونزاليس آرمنغول، كبير القضاة في المحكمة الإقليمية الرئيسية في مدريد إن «إسبانيا تواجه في الوقت الراهن أكبر عبء للعمل القضائي في أوروبا. لكن مواردنا للأسف محدودة للغاية ولا تمكننا من تقديم ما هو متوقع». نتجت حالة القاضي روز، على سبيل المثال، عن تحقيق الكسب غير المشروع الذي بدأه عام 2009 سلفه غارثون، في مزاعم بتلقي مسؤولي الحزب الشعبي المحليين رشى. ويتوقع عدد قليل صدور قرار قبل نهاية ولاية راخوي المقررة في عام 2015. وقد غذى مثل هذا التأجيل خيبة أمل الرأي العام. إلا أن قضاة مثل القاضي بوش يؤكدون أن العراقيل الحكومية والتعاون الخاطئ بين أجهزة الشرطة هم الذي ينبغي أن يوجه إليهم اللوم في أسباب بطء العدالة، وليس القضاة الذين يبذلون أكثر من طاقتهم. وقال القاضي بوش: «صحيح أن قضايا الفساد يمكن أن تستمر 10 سنوات، ولكن إذا كان هناك سياسيون من بين المشتبه بهم، يمكنك أن تكون على يقين أنهم لن يقدموا إلى السلطة القضائية الموارد ودعم الشرطة للعمل بكفاءة». وتستعد حكومة راخوي «لإجراء إصلاحات قضائية من شأنها أن تحول ميزان القوى داخل المحاكم وأن تضع أعضاء النيابة العامة مرة أخرى في دور قيادة التحقيق. وقال غونزالو أولوا، رئيس غوميز أكيبو وبومبو، وهي شركة رائدة في مجال القانون الإسباني، إن هذا الإصلاح من شأنه أن يؤدي إلى نظام أكثر شبها بالنظام الأنغلوسكسوني. ولكن نظرا لمشكلاتها في المحاكم، تبدو إصلاحات حكومة راخوي موضع شكوك. ويقول غونزاليس آرمنغول، وهو قاض بالمحكمة الرئيسية في مدريد: «كل الإصلاحات التي نشهدها تستهدف زيادة السيطرة السياسية على السلطة القضائية، مما يتعارض مع مبدأ تقسيم السلطات ويعد أمرا خطيرا خصوصا في وقت تشهد فيه البلاد كثيرا من حالات الفساد السياسي». لكن على الرغم من ذلك، يعمل الإصلاح على تخفيف عبء العمل على القضاة مثل القاضي روز، الذي تم تعيينه بشكل مؤقت، والذي كان مقررا أن يترك المحكمة الوطنية إلى قاعة محكمة في ضاحية مدريد. إلا أن أهمية هذه القضية، أمنت لروز تمديد ولايته التي تنتهي هذا الشهر، كي يواصل نظر القضية حتى تصل إلى الحكم، مهما طال أمد القضية. وقال غارثون، القاضي المعزول، لصحيفة إلباييس في مايو (أيار): «القاضي روز قاض متمرس إلى حد بعيد. لكن ما يقلقني هو أن قضايا الفساد ستؤجل إلى ما لا نهاية». * خدمة «نيويورك تايمز»