لندن: محمد رضا * يحمل «الولادة من الخاصرة - 3» («أبوظبي الأولى») بعد ثلاثة مواسم منه الرؤية البانورامية الشاسعة الوحيدة المتاحة على شاشات المحطات التلفزيونية حاليا. هذا لأنه خلال مواسمه الثلاثة (إذ انطلق سنة 2011 أول مرّة) مواكب للحال السوري من بداياته وإلى اليوم. بالضرورة إذن، أن الحلقات التي تعرض اليوم بنجاح ملحوظ تعكس قدرا كبيرا من كل ذلك المزيج من المواقف المتناقضة، موقف النظام وموقف المعادين للنظام كما موقف الذين يسقطون في الوسط. * لكن على الرغم من غزارة المعروض والكثير الكثيف من شخصياته وتعدد المواقف وكيفية الدخول والخروج منها ثم الربط بين الموقف والآخر، لا يستطيع «الولادة من الخاصرة - 3» إلا أن يتناول قمم المفادات والمعاني كونه غير قادر على تجسيد الحدث الأمني ذاته. نعم نشهد انفجارا هنا وجريمة قتل هناك وتعذيب في حلقة أخرى، لكنه لا يستطيع أن يكون نقلا للواقع كما هو بل لجزء منه. وهو جزء كبير بلا ريب. كتابة المسلسل التي قام بها سامر رضوان، لا غبار على اختياراتها من الأحداث التي تنتقل بين الفرقاء وهي ما زالت تحاول أن تعبر عن الفساد الإداري والسياسي السائد الذي هو بعض ما أدّى إلى الوضع الحاضر. لكن ذلك من دون أن يهمل الجماعات المختلفة (يضعها في إطار خيالي لكي تعبر عن جماعات فاعلة على الأرض) التي يشوبها أيضا قدر كبير من الفساد. في ذلك، لا يزال هم المسلسل (بعد سبع عشرة حلقة منه) هو تقديم وجهة نظر الشعب الذي يعاني. * مهمة سبر غور هذه الاتجاهات صعبة خصوصا أن على المسلسل أن يواصل طرح الشخصيات التي تقود هذا العمل والتي ليست متصلة على نحو مباشر. عابد فهد، ما زال رجل النظام الباذل (الذي ربما سيكتشف ما جناه موقفه لاحقا). إنه المقدم رؤوف الذي يتبدى سريعا كرجل السلطة كما يمكن له أن يكون بالفعل: نافذ وجريء ومخلص و.. على خطأ فادح. ما يساعد على بلورة هذه الشخصية الممثل عابد فهد الذي لديه حضور لافت ولو أن شخصيته هنا تسير على منوال واحد أكثر مما يجب. الحقيقة أن كل الشخصيات من الحلقات الأولى من هذا الجزء إلى الآن ما زالت تسير على منوال واحد في غالبها. ربما هناك ما سيتغير (أو لا بد أن يتغير) مع اقتراب المسلسل من نهايته. * كان الإخراج انتقل من بين يدي رشا هشام شربتجني إلى سيف الدين سبيعي لأسباب إنتاجية (يقال إنها خلافات داخلية) لكن على المرء أن يشاهد حلقات الجزأين السابقين حتى يستطيع المقارنة فنيّا بين المستويات. لكن القوة التي بدأ بها المسلسل الحالي حلقته الأولى ما زالت تصاحبه حتى الآن. وهذا شيء لا يتكرر في المسلسلات عموما (رمضانية أو غير رمضانية). ما يخلو منه هذا المسلسل هو أن المسحات الإنسانية قليلة. إذا كان المسلسل يريد أن يصور حال البلد فإن ذلك لا يعني أن يجاور صور ما ينتقده. بكلمات أخرى، ما ينقصه هو ما يوفره «سنعود بعد قليل»: اللحظات الإنسانية التي يتواصل فيها المشاهد مع شخصياته على وتر إضافي. بالتالي، المتابعة التي تفضي بالمرء للانتقال من حلقة إلى أخرى، ذات طبيعة فضولية بينما عليها أيضا أن تكون - وإلى حد - عاطفية. * من ناحيته «عيلة خمس نجوم» (الجديد)، وهو مسلسل سوري أيضا، يستمر كما لو أن لا شيء يحدث. هذه طبيعة بعض الإنتاجات التي عليها أن تنسى ما يدور إذا ما أرادت أن تتحول إلى سلعة جماهيرية رائجة لأن هناك ملايين المشاهدين الذين، وبدورهم، يريدون أن ينسوا ما يدور ولديهم الحق في ذلك. المسلسل كوميدي ينفذ بجلده من التكرار الروائي لأنه مؤلف من ثلاثين حكاية صغيرة عوض أن يكون حلقة واحدة طويلة مقسّمة إلى ثلاثين حلقة. * في كل حلقة هناك حكاية صغيرة محورها الأم (سامية الجزائري) وأولادها وخطيب ابنتها وبعض ضيوف الشرف. الحكايات، كما يكتبها حكم البابا، خفيفة لا تحمل مغازي كبيرة لكنها مسليّة. لو كانت في فيلم سينمائي لكانت كارثة، لكن ما لا يصح لفيلم يصح لمسلسل إذ لكل مقال مقام. اللهجة الشامية المحببة من قبل الممثلين (دائما على حافة التهريج من دون السقوط فيه) تسود وحين يطل ذلك الكوميدي الذي لم يجد له مكانا رحبا بعد يتعرف إلى مواهبه ويؤكد عليها رياض شحرور، كضيف شرف، ترتفع نبضات العمل كونه مهضوم الأداء وقابلا للتصديق. شخصية ضحوكة تحب الطعام ولديها بدن عريض للتأكيد على ذلك.