يتشوَّق الحرف والقلم والفكر إلى المشاركة في موضوع مهم، بل الأهم حاليًا, ويخص وطنًا استثنائيًّا بكل ما تحمله الاستثنائية من معانٍ إيجابية. هذا الوطن يحتاج منا خلال هذه المرحلة إلى المصداقية وإعلاء المصلحة العامة. والوطن لا يستحق منا إلا النية الصادقة في العمل بشفافية ومصداقية. هذا هو الرقي في العمل الوطني، خاصة أننا الآن على أعتاب مرحلة انتقالية تاريخية. إن رؤية 2030 قد زرعت في نفسي الفرح الكبير. ولأني أؤمن بأن صديقك من صدقك النصيحة، وليس من صدَّقك في كل ما تقوله, أقول: إن الرؤية وتحقيقها أمر ليس سهلاً، نعم ليس سهلاً، لكنه ليس مستحيلاً. التحديات صعبة، وهي بقدر فرحي العظيم بقدر ما تقلقني قلقًا مبررًا، له أسبابه، لكنه إيجابي، يدفع إلى الأمام، ولا يشد إلى الخلف؛ لأني أعي جيدًا ما هي الشروط التي متى توافرت سنتجاوز هذه الصعاب والتحديات. سأحاول التركيز على أهم الشروط التي ستضمن لنا نجاح الرؤية. الشروط تبدو صعبة ومعقدة ومتداخلة في بعضها، إنما الحقيقة تقول إن الصعوبة ليست في الشروط، بل في مصالح الناس المتناقضة.. كل الناس، كبيرهم وصغيرهم. إنما واقع الرؤية نفسها يلزمنا بالعمل على تغيير واقعنا المجتمعي بأجزائه الفكرية والسلوكية. كثير من المحاولات السابقة للتأثير على سلوكيات الأفراد كانت تعتمد البدء من الفرد، وتنطلق نحو الأعلى, لكن ما أراه أن التحول الوطني يجب أن يعتمد نظرية «التنظيف من أعلى الدرج» كشرط أساسي لتغير الفكر والسلوك. هذا هو الفاتح الرئيسي الذي سيمكننا من تحقيق أي رؤية نطمح إليها. انظروا إلى شعوب اليابان وكوريا، وحديثًا ماليزيا وتركيا، وغيرهم، كيف التزموا بمنهجية حياة ونمط سلوكي منضبط من أعلي الهرم إلى أدناه، قادهم إلى النجاح. وطالما نحن أمام مهمة في تحويل السلوكيات تحولاً حقيقيًّا، وليس وهميًّا، فإنه يلزمنا إعلام محترف وموجِّه لهذه المهمة. مع الأسف الشديد، إعلامنا اليوم بعضه لا يفي بالغرض؛ فهمه نشر الترفيه والاستثمار فيه.. اكتشاف مواهب الغناء التي تُشعرنا أننا في قلة, أو بعض البرامج الرياضية التي اختصرت الرياضة في كرة القدم؛ فكرست الجهل والتعصب في مشهد واضح لمعاناة طفل، كل ذنبه أنه يشجع الأهلي.. وكذلك المسلسلات التي تؤصل لكل ما هو خاطئ. إذًا، نحن بحاجة إلى تغيير جذري لإعلامنا. يعلم قادة الفكر أن الإعلام صانع قوي لمفاهيم وسلوكيات الناس، ومصدر مهم لتشكيل ثقافتهم.. فهل إعلامنا الحالي يصنع ذلك؟ لا أعتقد ذلك. نحن بحاجة إلى إعلام يبيّن بالأرقام والبراهين الفرص العظيمة التي يهدرها الفساد المالي والإداري, إعلام موجِّه، يعالج ذلك بوسائل أيضًا ترفيهية، لكنها تحترم العقل، وتحقق قيمًا سامية, وإلى برامج تزرع فينا الأمل، تثقفنا، ترفع بذائقتنا الأدبية، وتعوِّدنا على الرقي في تعاملنا مع بعض، وتجعلنا منتجين لا مستهلكين. نحتاج إلى إعلام يخاطب الجماهير من واقعهم الحقيقي ومعاناتهم بكل شفافية، واحترام حقوقهم ومعتقداتهم. إن التحوُّل الوطني سيصاحبه العديد من القرارات والأنظمة، ومحورها المواطن. والمواطن هو القوة الداخلية الثمينة التي نملكها. وهذه القرارات والأنظمة لن يكون تمريرها سهلاً, وهذا ما يحتاج إلى مراكز قياسية مستقلة شبه محايدة, ويكون أساس عمل هذه المراكز ليس التأكد من صحة الأنظمة بل القدرة على تنفيذها وتبيان الفترة الزمنية التي يحتاج إليها المجتمع لمواكبتها. وأيضًا لغة الطرح أو الصياغة وما يناسب المجتمع، ويجعله يتقبلها. إن القياس والتقويم أمران مهمان، لكنهما أبدًا لا يعكسان النتائج المرجوة منهما حين يكون مصدرهما من داخل إدارة التحول والمستشارين والشركات المرتبطة بها؛ لذلك فإن إيجاد مركز أبحاث مستقل منفصل مهم في مسيرة التحول. ما أعنيه هنا هو وجود رأي آخر علمي ذي منهجية مختلفة ومحترفة من خارج مطبخ التحول. هذا المركز مستقل، وله مجلس أمناء، جميعهم سعوديون مستقلون من أرباب الفكر وأصحاب الخبرات المتراكمة في شتى المجالات. وجود هذا المركز هو احترافية ونضوج في المخرجات، وقياس لنجاح الأفكار, وأيضًا زيادة حجم المشاركة الوطنية, بل رصد كل ما يُنشر ويُقال عن التحول.. وهذا بمنزلة حصاد لمقترحات الناس وأمنياتهم، وهو نوع من المشاركة الشعبية، وحلقة وصل بين التحول الوطني والجماهير؛ ليكون المركز هو الجواب لسؤال مهم: مَن يقيّم برنامج التحول ومَن يقيس أداءه؟ وإذا كان هناك من مسك للختام فإنني أختم بالتشديد على نقطة في عمق الموضوع، توضح لنا أننا نملك أقوى سلاح، لن نعرف قيمته إلا إذا فقدناه, وهو جبهتنا الداخلية المتماسكة بفضل الله سبحانه وتعالى، ثم بفضل ما بناه الأولون والحاليون وما سيبنيه القادمون. المواطنون هم نواة هذه الجبهة، وهم من سيتأثر ويؤثر فيهم هذا التحول. وإن كل ما يمس حياة المواطن بشكل مباشر أو غير مباشر علينا أن نكون حذرين جدًا معه. نحن أشبه ما نكون بمن يود نقل أغلى وأثمن وأندر مزهرية في العالم من مكان إلى مكان آخر أكثر أمانًا. المهم علينا الحرص كل الحرص على أن لا تكسر أو تخدش هذه المزهرية أثناء عملية النقل. السطور الأخيرة: هذه آخر ركلة جزاء مرجحة لنا، واللاعبون والمدرب واثقون بالهداف، ونحن كذلك.. ومن على المدرجات! نرفع أكف الضراعة إلى الله - عز وجل - أن يوفقهم جميعًا، ويحفظ وطننا وأمتنا وولاة أمرنا من كل مكروه. عبدالعزيز محمد السعد العجلان - رجل أعمال - نائب رئيس مجلس الأمناء لمنتدى الرياض الاقتصادي azizmsa11@hotmail.com