لا شيء يُمكن أن يُبرر الكذب، ولا تقسيمات أو تصنيفات له كما يُذكر من حيث الألوان (أسود- أبيض)، ولا من حيث الغايات أو الأهداف. أنا في كل حياتي أرى أن الكذب هو الكذب، بشكله ولونه وحقارته. لن أدخل في صراع أيهما يكذب أكثر، الرجل أم المرأة؟ وإن كان هناك دراسات وإحصائيات أكدت على أن الرجال أكثر كذبًا من النساء، آخرها ما قرأته عن دراسة بريطانية نُشرت في وسائل الإعلام هذا الأسبوع، تؤكد أن متوسط الكذب لدى الرجال هو ثلاث مرات في اليوم، بينما مرة واحدة في اليوم لدى المرأة، وبحسب الدراسة فإن أكثر مبرر أجاب عليه الرجال الكاذبون، هو كذبهم في القول بقيامهم بعمل من المفترض أن يقوموا به ولم يفعلوه! مما يعني أن الرجل يجدد مبررًا هو الخلاص من اللوم ومشتقاته، في حين أنه لو اُفتضح أمره، وهذا غالبًا ما يحدث، فسيشقى في حياته مع مضاعفات تأثيرات كذبه على الطرف الآخر، لأنه وبمنتهى البساطة قد فقد “الثقة” وهذه المرحلة من الصعب تجاوزها، وإن حدث هذا فسيفقد الطرفان الكثير، وسيعيشان في آلام مزمنة لفترة ليست بالقليلة، هذا في حال توجه بالتوبة النصوح وعاهد نفسه والطرف الآخر على التوقف عن الكذب، أيًا كان نوعه، سواء الأكثر انتشارا بحسب الدراسة، أو الأكثر مهارة وذكاءً في سرد أحداث وقصص يحدث -أحيانًا- أن الكاذب قد يعيش في داخلها ويصدق نفسه، وهذا كما أعتقد هو أحد نتائج كثرة الكذب. يعتقد -بعض- الرجال المتمرسين في الكذب، أن ذكاءهم الحاد وقدراتهم الفائقة في ترتيب وتنظيم سيناريوهات القصص المؤلفة، لن تجعل الطرف الآخر يتمكن من كشف الكذبة، خصوصًا إذا نجح الكاذب في تمرير العديد من القصص التي تدخل حيز التصديق، في حين أنه وبرغم كل هذا الذكاء فات عليه أنه إذا كان المكذوب عليه -امرأة- فهي لديها في الغالب، مهارة أكثر في كشف الكذب، وحدس عالٍ في التمييز بين الصدق والكذب، وكثير من النساء، يُمررن الكذبة ويغضضن الطرف عنها رغبة في منح الرجل فرصة أكبر للتراجع والتصحيح دون إحراجه أو مواجهته بكذبته، إلا إذا وصل السيل الزبى، فهنا تأخذ المواجهة شكلًا آخر، كما أن هذا يعود لطريقة المرأة نفسها، وقراءتها لحجم الكذبة وغاياتها والنتائج المترتبة عليها، كذلك وعي المرأة وقراراتها المستقبلية كلها عوامل تحددها بنفسها للتعامل مع الكذبة، إلا أن -بعضهم- قد يصعب عليه الاستمرار بسبب الشعور المزعج حين يشعر الإنسان بالاستغباء، فأكثر من ألم الكذبة ألم نظرة الشخص المكذوب عليه لنفسه، وتقليل الكاذب منه في حال استمر في عالم الكذب الوهمي. صحيح في معظم الأحيان أن الصراحة قد تؤلم، إلا أن لهذا الألم علاجًا ومسكنات تُمحى سلبياتها مع الوقت، لكن الكذب مؤلم أكثر، وقد لا تُمحى آثاره طوال الحياة، إن لم يعترف الكذاب بنفسه ويستغفر لذنبه ولا يعيده ولا تسوّل له نفسه أن ينطق حرفًا مكذوبًا واحدًا. الصراحة دائما هي الأجمل، والأجمل أن لا يخطئ الإنسان ولا يضطر لعلاج الخطأ بخطأ أكبر فيكذب!