قدمت مصر أكبر وألمع عدد من الكوميديين العرب؛ على المسرح، على الإذاعة، في السينما وفي الأدب الساخر. لكن باسم يوسف كان الأول من نوعه: جراح قلب دون الأربعين من العمر يقرر أن يجعل السياسة برنامجا تلفزيونيا ساخرا على غرار «البرنامج اليومي» الذي يقدمه جون ستيوارت على التلفزيون الأميركي. إذا كان هناك من شك في أن تنجح النسخة العربية من جون ستيوارت، فقد كنت بين المشككين. السياسي العربي لا يطيق المزاح إلا على خصمه، والصحافي العربي لا يطيق السخرية إلا على من سواه. والفنان العربي سوف يظل يفقع من الضحك حتى تقلده، فيفقع من البكاء. وعندما قرر محمد مرسي أن يقاضي باسم يوسف، قال محاميه إنه (يوسف) «يعرض الأمن القومي والسلامة العامة للخطر، ويعيق إدارة الدولة عن أعمالها». أثار يوسف ضجة عالمية من السخرية والضحك والمفاكهة، ولم يوفر أحدا من لذعاته، حتى الثورة، التي وقعت سريعا في حب التبجيل. ومنذ فترة، دخل باسم يوسف حقلا أكثر صعوبة بكثير من الكوميديا الناطقة، هي الكتابة الساخرة، في «الشروق». راقبت التجربة من وجهة مهنية، لأنني أعرف مدى صعوبتها. الكتابة الساخرة تحتاج إلى نفس طويل، وإلى أن يقلل صاحبها، لا أن يكثر، مهما كانت موهبته ثرية، وحتى الآن يبدو من إشارات الإعجاب، التي يحملها البريد الإلكتروني، أن الرجل يزلزل الأرقام القياسية من حوله. ويتلقى عددا هائلا من التعليقات التي يكتبها قراء ساخرون هم أيضا، طفح بهم الوجوم الذي ألصق على وجه مصر. أعتقد أن العامية المصرية تسعف باسم يوسف، بعكس ما حدث لفنانين آخرين في العالم العربي حاولوا أن ينقلوا ظرفهم المسرحي إلى الورق. ويساعد باسم يوسف أيضا أنه يضحك مع الجميع على الجميع، ويسخر من كل الأشياء ولا يبدو متحيزا، أو متحزبا، أو غاضبا مع، أو غاضبا ضد. توفر السياسة مادة دائمة للساخرين ولا خوف من النضوب. ولكن، سوف يظل الفارق كبيرا في الحجم بين حضور الطبيب الفنان على الشاشة وحضوره على الصفحة. وأعتقد أن الفن، في النهاية، سوف يجرف الطبيب ويحتكره، كما حدث لكثيرين من قبله. وعلى طريقته، لم يعط المسألة «بعدا نضاليا»، بل قال إنه يفضل الفن على الطب لأن أمه قالت له «إن الفلوس في الفن أكثر قوي».