أنقرة: «الشرق الأوسط» امتدت حملة السلطات التركية على أجهزة الدولة لتشمل الهيئتين المنظمتين لقطاع البنوك والاتصالات والتلفزيون الرسمي إذ أقالت عشرات المسؤولين التنفيذيين في خطوة تعكس على ما يبدو اتساع نطاق الإجراءات التي يتخذها رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان ردا على تحقيق في قضية فساد. وكانت السلطات نقلت بالفعل آلافا من ضباط الشرطة ونحو 20 ممثلا للادعاء من مناصبهم وأقالت بعض مسؤولي التلفزيون الرسمي ردا على التحقيق في الفساد الذي صار أكبر تحد يواجهه إردوغان منذ توليه السلطة قبل 11 عاما. ويفحص المحققون فيما يبدو مزاعم فساد بأحد البنوك الحكومية ورشى تتعلق بتجارة الذهب مع إيران ومشروعات عقارية كبرى ولكن لم تعلن التفاصيل الكاملة للاتهامات. ويقول رئيس الوزراء التركي، إن «التحقيقات التي بدأت قبل شهر مصحوبة باعتقال شخصيات بارزة من بينها نجله بلال وأبناء ثلاثة من وزرائه جاءت في إطار محاولة انقلاب قضائي». ويقول معارضوه إنهم يخشون أن تؤدي الحملة على أجهزة الدولة إلى تقويض استقلال القضاء والشرطة والإعلام. ونفى إردوغان أول من أمس نفيا قاطعا الاتهامات التي وجهت إلى نجله الأكبر بلال في إطار فضيحة الفساد التي تهز الحكومة التركية. وقال إردوغان في خطاب ألقاه في إسطنبول «شنت المعارضة في الآونة الأخيرة حملة تشهير ضد أبنائي. لتكن الأمور واضحة: لو كان أحد أبنائي متورطا في مثل هذه القضية، لكنت تبرأت منه على الفور»، حسبما نقلت وكالة الصحافة الفرنسية. وبحسب الصحافة التركية فإن نجل إردوغان الأكبر بلال، هو ضمن لائحة من 30 رجل أعمال ونائبا استهدفتهم مذكرة توقيف أصدرها النائب العام في إسطنبول لكن الشرطة القضائية رفضت تنفيذها. ويشتبه في قيام بلال أردوغان (34 عاما) باستغلال النفوذ من خلال مؤسسة تربوية يترأسها هي المؤسسة التركية لخدمة الشباب والتربية، بحسب ما أوردت الصحف التركية. وأكد وزير العدل التركي بكير بوزداغ الجمعة من جانبه عدم صدور أي مذكرة توقيف ضد نجل رئيس الوزراء. وقال الوزير «أريد التأكيد بأنه لم تصدر أي مذكرة توقيف ولا أمر اعتقال ضد بلال أردوغان» مضيفا أن «المعلومات التي أشارت إلى أنه قد يكون غادر البلاد أو مختفيا لا تمت للواقع بأي صلة». وقال أكين أنور الأستاذ المساعد في العلاقات الدولية بجامعة قدير هاس في إسطنبول «هذا أمر يشبه مسح بيانات جهاز كومبيوتر وإعادة تشغيله من جديد. إنهم يغيرون النظام بأكمله ويغيرون أشخاصا في مواقع مختلفة لحماية الحكومة». وقالت وسائل إعلام تركية أمس، إن «من بين عشرات المسؤولين الذين شملتهم حركة الإقالات الأخيرة نائب رئيس هيئة التنظيم والإشراف على الأعمال المصرفية التركية (بي دي دي كيه) ورئيسي إدارتين»، حسبما ذكرت «رويترز.» وأقيل أيضا خمسة رؤساء إدارات في هيئة الاتصالات التركية (تي إي بي) التي تتولى المراقبة الإلكترونية وتنظيم قطاع الاتصالات إلى جانب نحو 10 أشخاص فصلوا من قناة «تي آر تي» التلفزيونية التركية الرسمية ومن بينهم رؤساء إدارات وعدد من كبار المحررين. وقال مسؤول حكومي، إن «الإقالات جاءت من أجل مصلحة الشعب وقد يكون هناك المزيد منها». وأضاف «نعكف الآن على هذه المسألة وإذا رصدنا حالات تتعارض مع مصلحة الشعب فقد ينظر في إجراء المزيد من الإقالات». وأثارت لقطات أظهرت آلات لعد النقود وتقارير عن أموال مخبأة في منازل أشخاص على صلة بالتحقيق في الفساد ضجة بين المواطنين الأتراك. وقال أنور، إن «الهدف من الحملة على هيئة الاتصالات قد يكمن في الحيلولة دون نشر المزيد من الصور والمقاطع المصورة على الإنترنت بتشديد قبضة الحكومة». ولمح إردوغان إلى أن التحقيق في الفساد الذي أدى إلى استقالة ثلاثة وزراء واحتجاز رجال أعمال مقربين من الحكومة هو محاولة لتقويض حكمه من جانب رجل الدين فتح الله غولن المقيم في الولايات المتحدة والذي يتمتع بنفوذ في جهازي الشرطة والقضاء. وكانت الحكومة نقلت الأسبوع الماضي 20 ممثل ادعاء بارزا من مناصبهم في تكثيف لحملتها على القضاء. ويعتقد أن كثيرا ممن أقيلوا على صلة بحركة (خدمة) التي يتزعمها غولن المقيم في الولايات المتحدة، وتقول إن «أتباعها يزيدون على المليون وتدير مدارس ومؤسسات خيرية في أنحاء تركيا». ويقول محامو غولن إن «رجل الدين لا صلة له بتحقيقات الفساد فيما يقول أنصاره إنهم يتعرضون لعمليات ملاحقة». وفي خطوة منفصلة نددت بها المعارضة ووصفتها بأنها محاولة لاستهدافها صادرت السلطات التركية أموال مصطفى صاري غل مرشح حزب الشعب الجمهوري المعارض لمنصب رئيس بلدية إسطنبول. وقال صندوق ضمان ودائع التوفير (تي إم إس إف) الحكومي إنه «صادر أصول صاري غل بعد عدم سداده هو وشركاء له قرضا يرجع تاريخه إلى عام 1998». ونفى صاري غل أن عليه ديونا معلقة واصفا هذه الخطوة بأنها «استفزاز». وأضاف «لم أتلق خطابا واحدا من صندوق ضمان ودائع التوفير منذ 16 عاما، أولئك الذين فقدوا الثقة في الشعب وشنوا علي هذا الهجوم السياسي سيتلقون الرد في صندوق الاقتراع يوم 30 مارس (آذار)» في إشارة إلى الانتخابات المحلية. ويظل إردوغان أكثر السياسيين شعبية في البلاد التي حقق فيها طفرة اقتصادية وانتشل فيها ملايين الأشخاص من الفقر. ولم يتضح بعد مدى تأثير الأزمة على حظوظ إردوغان السياسية قبل الانتخابات المحلية المقررة في مارس (آذار). وفي العام الماضي خرجت مظاهرات حاشدة إلى الشوارع شارك فيها أتراك يتهمون رئيس الوزراء بالاستبداد ولكن هذه الاحتجاجات لم يكن لها تأثير يذكر على شعبية إردوغان بين أنصاره المحافظين. وعبرت سبع منظمات غير حكومية مهمة الجمعة عن قلقها لتنضم بذلك إلى أوساط الأعمال في التعبير عن الأسف لكون هذه الاتهامات بالفساد التي تستهدف الحكومة تهدد الديمقراطية. وقالت المنظمات غير الحكومية السبع في مؤتمر صحافي، إن «مزاعم الفساد ووجود دولة داخل الدولة التي تلوث المناخ، تهدد السلم الاجتماعي والاستقرار وتشكل خطرا على سلمنا الداخلي».