بنسبة تصويت تبلغ نحو 95 في المائة، كما في المؤشرات الأولية، عبر الدستور المصري.. دستور ثورة 30 يونيو. الإقبال كثيف، تقريبا أكثر من نصف الكتلة التصويتية شاركت في الاستفتاء، وهي نسبة عالية. والملاحظ أن النساء والكهول والشيوخ كانوا هم الشريحة الكبرى، حسب كلام المراقبين العرب والدوليين، على حساب الشباب. هذا التصويت متعدد الدلالات، إنه ليس تصويتا فقط لتمرير هذا الدستور المعدل، بل قل الجديد، ضد الدستور السابق، أو دستور الإخوان أو «دستور مرسي» كما يسميه البعض ساخرا ومتشفيا. هو تصويت على شرعية عزل مرسي وجماعة الإخوان، هو تصويت على خارطة الطريق. والأهم، هو تصويت على شعبية الجنرال السيسي، والثقة التامة بكل ما يقرره الجيش المصري للشعب من خطوات وما يضعه من خطط. هو تصويت أيضا على إخفاق جماعات الإسلام السياسي، لكن ليس على شطبها من المشهد، ولا يجوز نسيان أن حزب النور، بديل الإخوان، هو شريك في هذه العملية السياسية الرابحة، وهو لا يختلف في الجوهر عن فكر الإخوان، الاختلاف في الطمع الحزبي الإخواني والصلف السياسي، في مقابل سماحة حزبية ومرونة سياسية لدى «النور». كما لا نغفل دور مستقلي الإخوان الذين خرجوا من عباءة التنظيم الانضباطي الحديدي لجماعة بديع والشاطر وعزت، من أمثال كمال الهلباوي، عضو لجنة الخمسين التي صاغت الدستور الجديد، أو تعديلاته. ما من شك أنها ضربة موجعة لتلاميذ سيد قطب وحسن البنا، ليس في مصر وحدها بل حتى خارجها في مجمل العالم الإسلامي؛ حيث نشطت وزرعت وسقت وربت هذه الجماعة أجيالا على مفاهيمها للدعوة والإسلام والهوية والآخر، ونحتت «العقل» الحاكم للشباب في فهم العالم من حولنا، والذات من داخلنا، وهذا أمر متغلغل ومتعمق فينا، لا يحله أو يزيله مجرد استحقاق انتخابي في لحظة عقابية توبيخية للإخوان. هل يصح القول إن ما جرى في مصر بالتصويت الكثيف على الدستور هو هزيمة لخطاب الإسلاميين المسيسين، أو الإسلام السياسي كما يعبر عنه في الأبحاث والدراسات؟ من التهور القول بهذا الآن. لكن لا ريب أنه ضربة قوية، يجب عدم التوقف عندها، بل الانطلاق منها نحو تحديد علل الثقافة العربية والإسلامية، حتى لا يعود الداء من جديد. ليست المشكلة في حاكمية سيد قطب أو أستاذية حسن البنا أو جهادية أسامة بن لادن والظواهري أو توحش المقرن والوحيشي والزرقاوي. لا.. فهؤلاء وأفكارهم مظهر لمخبر. وعرض لمرض. المشكلة أعمق من هؤلاء. إنها في المجتمع والثقافة التي ما مسها شواظ النقد ولم تلامسها أمطار الفحص والتأمل. حتى لا نعيد الداء.