نجح الجيش المصري في أول اختبار للصناديق، مكرساً شرعية عزله الرئيس السابق محمد مرسي، بعدما أظهرت نتائج أولية للاستفتاء على الدستور الذي اختتم أول من أمس، اكتساح خيار الموافقة وفشل دعوات جماعة «الإخوان المسلمين» إلى مقاطعة الاقتراع، إذ تعدت نسب الإقبال عتبة الاقتراع على الدستور الذي أجري في ظل حكم الجماعة. وأظهرت النتائج غير الرسمية أن نسبة كاسحة من الناخبين وافقت على الدستور تعدت 95 في المئة، فيما أوضحت المؤشرات الأولية تبايناً في نسب المؤيدين للحكم الانتقالي بين محافظات الدلتا التي بلغت نسب الإقبال 45 في المئة، والصعيد الذي لم يتعدّ 30 في المئة، على رغم الوجود القبطي الكبير في بعض محافظاته. كما أظهرت ضعف قدرة حزب «النور» السلفي على الحشد في مواجهة «الإخوان» وحلفائهم، لا سيما في محافظتي الإسكندرية ومرسي مطروح الساحليتين اللتين تعدان معقلي للسفليين. ولوحظ انخفاض المشاركة في محافظة القاهرة إلى نسبة 27 في المئة، على رغم أن غالبيتها رفضت دستور «الإخوان». وكانت محافظة جنوب سيناء الأكبر حضوراً (95 في المئة)، مدفوعة بتصويت الوافدين الذي سمح به في الاقتراع الأخير، إذ اقترعت عام 2012 بحوالى 29 في المئة، تلتها الغربية (55 في المئة) والتي تعد معقلاً للعمال، كما أنها إضافة إلى القاهرة، كانت رفضت دستور «الإخوان» بنسبة مشاركة 33 في المئة آنذاك. ثم جاءت المنوفية بـ54 في المئة، وهي التي صوتت بكثافة لمصلحة منافس مرسي على الرئاسة الفريق أحمد شفيق قبل أن تحجم عن الاقتراع على دستور 2012 حين بلغت نسبة المشاركة 34 في المئة فقط آنذاك. وتلتها بورسعيد التي تشارك المنوفية في مناوئتها الشديدة لـ «الإخوان» على خلفية صدامات دموية مع الشرطة أسقطت عشرات القتلى في ظل حكم مرسي وكانت صوتت بـ38 في المئة. وجاءت محافظة دمياط في المرتبة الخامسة حيث اقترع 46 في المئة، وهي معقل لصناعة الأثاث وكانت نسبة مشاركتها في الاستفتاء الماضي 37 في المئة. وبالمثل أقبل 46 في المئة من سكان محافظة الشرقية على الاقتراع، على رغم أنها أحد معاقل «الإخوان» ومسقط رأس مرسي وكان 32 في المئة من سكانها صوتوا في عهده. ثم جاءت كفر الشيخ والتي أقبلت على الاقتراع بنسبة 42 في المئة، وهي كانت كتلة تصويتية كبيرة للمرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي وشهدت احتجاجات عنيفة حين عين الرئيس المعزول محافظاً «إخوانياً» هو سعد الحسيني. ثم الإسماعيلية التي أطلق منها مؤسس «الإخوان» حسن البنا دعوته، لكنها أقبلت على التعديلات الدستورية بنسبة مشاركة 41 في المئة، وهو ما يقارب نسبة الحضور في 2012 التي بلغت 36 في المئة. وتلتها القليوبية بنسبة حضور 40 في المئة، قبل أن تأتي البحيرة المعروفة بانتشار التيار السلفي بنسبة وصلت إلى 37 في المئة، ما يزيد قليلاً على إقبالها على دستور «الإخوان» بـ33 في المئة، ثم الإسكندرية بنسبة 36 في المئة وهي النسبة نفسها التي حضرت في 2012، بعدها السويس بـ34 في المئة، ما يقل عن نسبة مشاركتها في عهد مرسي بـ38 في المئة. أما في محافظات الصعيد فتدنت نسب الإقبال، على رغم التصويت الكثيف بالموافقة. وجاءت محافظة الأقصر الأعلى في الإقبال بنسبة 31 في المئة تلتها أسوان (أقصى الصعيد) بنسبة 29 في المئة، مدفوعة على ما يظهر بالرغبة في الاستقرار إذ تعمل غالبية سكان المحافظة في قطاع السياحة الذي ضرب في مقتل خلال السنوات الثلاث الأخيرة. وبعدها جاءت المنيا التي أقبلت بنسبة 26 في المئة بالمقارنة بـ34 في المئة في عهد «الإخوان»، ثم محافظتا أسيوط وسوهاج بنسبة 24 في المئة وهي نسبة تقارب الإقبال في عهد مرسي، ثم الفيوم بنسبة 23 في المئة، ما أظهر سيطرة «الإخوان» على المحافظة، إذ أقبلت على استفتاء عام 2012 بنسبة 35 في المئة. وجاءت محافظة مرسى مطروح الأقل في نسب الإقبال بنسبة 17 في المئة، على رغم أنها أحد معاقل حزب «النور»، وكانت شاركت في دستور «الإخوان» بنسبة 36 في المئة. ومن المنتظر أن تعلن اللجنة القضائية المشرفة على الاستفتاء غداً النتائج الرسمية للاقتراع في مؤتمر صحافي، لتبدأ مصر بعدها الإعداد للمضي في تنفيذ باقي بنود خريطة الطريق، إذ سيعلن الرئيس الموقت عدلي منصور خلال أسبوعين تعديل خريطة الطريق لينطلق الاستحقاق الرئاسي في آذار (مارس) المقبل، على أن تختتم المرحلة الانتقالية بالاستحقاق التشريعي. ويلزم الدستور الجديد السلطات إجراء الاستحقاقين الرئاسي والتشريعي في غضون ستة أشهر من إقراره، ما يعني إجراء التشريعيات قبل تموز (يوليو) المقبل. واعتبر رئيس الوزراء حازم الببلاوي خروج المصريين «ثورة في طريق دستوري منظم». وقال في مؤتمر صحافي: «أشارككم وأشارك المصريين فرحة بيومين من أسعد الأيام التي مرت على هذا الشعب سيذكرهما التاريخ مع أيام سابقة لا تقل أهمية وتكراراً وتأكيداً للشعب الذي خرج يومي 25 يناير و30 يونيو». ولفت إلى أن «خروج الشعب ليس فقط لتأييد وثيقة دستورية ولكن أيضا لإعلان احتجاجه ورفضه لكل أعمال التخريب والإرهاب ومظاهر الترويع وأن هذا الشعب يريد البناء وليس الهدم». ووجه الناطق باسم الجيش العقيد أحمد محمد علي «تحية إعزاز وتقدير إلى الشعب المصري بعد مشاركته في الاستفتاء»، نافياً «ما يروج عن عدم مشاركة الشباب، وهو من قبيل المبالغة وتضليل الرأي العام للتغطية على نسبة الإقبال غير المسبوقة». وأوضح أن «هناك آلاف الشباب الذين شاركوا في تنظيم الاستفتاء في اللجان كافة على مستوى الجمهورية، كما أن عملية الاستفتاء تم تأمينها بواسطة 400 ألف من رجال وشباب الجيش والشرطة، وإن كانوا لا يصوتون دستورياً، إلا أن قيامهم بالتأمين جسد مشاركتهم الوطنية لتوفير المناخ الآمن لتنفيذ عملية الاستفتاء». ورأى أن «ما نعيشه اليوم هو نتاج ثورتين عظيمتين في يناير 2011 ويونيو 2013، كان الشباب وقودها وعنصرها الفعال وبحماية من قواتهم المسلحة». وأكد رئيس لجنة الخمسين عمرو موسى أنه لن يترشح للانتخابات الرئاسية أو البرلمانية المقبلة. وقال في تصريحات للصحافيين: «لست مرشحاً رئاسياً، لأن المزاج المصري الحالي مؤيد للفريق أول عبدالفتاح السيسي بناء على ثقة بنيت لدى الشعب المصري في شخص قائد الجيش». وأشار إلى أن «الدستور الجديد سيساهم في تحقيق الاستقرار خلال الفترة المقبلة». وقال «التيار الشعبي» إن «عملية الاستفتاء على التعديلات الدستورية شهدت مشاركة واسعة جداً من الشعب المصري بمعدلات تفوق الاستفتاءات السابقة ومن بينها الاستفتاء على دستور 2012»، مؤكداً أن «التجاوزات غير جسيمة ولم تؤثر في نزاهته». ولفت بيان «التيار الشعبي» الذي أسسه المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي، إلى انخفاض نسبة الشباب بين المشاركين على الاستفتاء، خصوصاً في المدن بسبب «حال التوجيه والشحن الإعلامي التي سبقت وصاحبت عملية الاستفتاء، وتأتي مفهومة في إطار الظرف العام الذي تمر به البلاد». ولم يتمكن صباحي من الإدلاء بصوته أمس بسبب قيام أحد الأشخاص بتسجيل اسمه في كشوف الناخبين للتصويت في المملكة العربية السعودية بدل لجنته الأصلية في مصر. واستنكر التيار «وجود أخطاء بكشوف الناخبين، بخلاف التلاعب الكبير الذي أحدثه نظام «الإخوان» قبل 30 يونيو، في قواعد بيانات الناخبين الذي لم تصلحه الحكومة الحالية، بدليل وجود خطأ فادح من هذا النوع في اسم مرشح رئاسي سابق». ودان ما وصفه بـ «بعض التجاوزات غير الجسيمة والتي لم تؤثر في نزاهة العملية برمتها، ومن بينها عدم استخراج تصريحات لعدد من المنظمات الحقوقية لممارسة دورها الإشرافي والرقابي على الاستفتاء وتأخر فتح عدد من اللجان عن الموعد المحدد وتوجيه بعض القضاة للمصوتين سواء بنعم، أو بلا». ودان البيان «محاولات الإخوان عرقلة سير الاستفتاء عبر تبني عمليات عنف لمحاولة منع الناخبين من الإدلاء بأصواتهم، وجمعهم البطاقات الشخصية لأهالي بعض القرى نظير صرف معونات أو مبالغ مالية». واتهم الجماعة بـ «تنظيم تظاهرات أمام اللجان بما يمنع المواطنين من ممارسة حقهم في التصويت وإشعال إطارات السيارات وقطع الطرق ومنع المواطنين المسيحيين من التصويت في الكثير من قرى الصعيد واقتحام بعض اللجان في الصعيد وتبادل الاشتباكات مع الداخلية».