×
محافظة المنطقة الشرقية

السعودي محمد جاوا يعود منتصراً من سباق 24 ساعة في دبي

صورة الخبر

صباح الأحد كان باردا جدا، وقد خرجنا من البيت باتجاه مدرسة (لمى) ولم تشرق الشمس بعد، لكن حديثاً سمعناه في إذاعة القرآن الكريم أدفأ الحوار فنسينا البرد، ونسينا أيضا أنها بصدد اختبار الكيمياء وليس مادة الحديث، إن كان بقيت مادة بهذا الاسم. ولأن الشيء بالشيء يذكر فإنني أرى أن إذاعة القرآن الكريم بأمس الحاجة إلى مراجعة برنامجها الصباحي المباشر، فهي إذاعة مسموعة على مستوى العالم، وتتمتع بسمعة ووقار، ويجب أن نحافظ عليها برزانتها، وبعدم ابتذال برامجها بفقرات وحوارات البرنامج العام وبقية الإذاعات المحلية أولى بها. وأشد ما يزعجني ويرفع ضغطي على نحو يومي حوار المذيعين باللهجة العامية؛ وفي حواراتهما عندما يخرجان عن النص ما لا يصلح لإذاعة القرآن الكريم، ورغم اجتهاد المذيعين فإن هذه الإذاعة مسؤوليتها كبيرة تجاه خلق كثير ينتظرون برامجها بفارغ الصبر ولابد من إعادة النظر في برنامجها الصباحي "بك أصبحنا". أعود مرة أخرى للحديث الذي أدخل الدفء في حوارنا، لمى وأنا، فقد دخل عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- يومًا على أم المؤمنين حفصة، ابنته، وعندها "أسماء بنت عميس"، فقال "عمر" حين رأى "أسماء": من هذه؟ قالت: "أسماء بنت عميس"، قال "عمر": الحبشية هذه، البحرية هذه؟ قالت "أسماء": نعم، قال: سبقناكم بالهجرة، فنحن أحق برسول الله- صلى الله عليه وسلم- منكم، فغضبت وقالت: كلا والله، كنتم مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم، وكنا في دار أو في أرض البعداء البغضاء بالحبشة، وذلك في الله وفي رسوله- صلى الله عليه وسلم-، وايم الله، لا أطعم طعامًا ولا أشرب شرابًا حتى أذكر ما قلت لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-، ونحن كنا نؤذى ونخاف، وسأذكر ذلك للنبي- صلى الله عليه وسلم- وأسأله، والله لا أكذب ولا أزيغ ولا أزيد عليه، فلما جاء النبي- صلى الله عليه وسلم- قالت: يا نبي الله، إن عمر قال كذا وكذا، قال: "فما قلت له"؟ قالت: قلت له كذا وكذا، قال: "ليس بأحق بي منكم، وله ولأصحابه هجرة واحدة، ولكم أنتم أهل السفينة هجرتان" (أخرجه البخاري). تنفست لمى بعمق، فشعرت أن في الحديث ما لامس مشاعرها، وقالت بدون تردد هذا هو الإسلام الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس التشدد الذي نعيشه الآن !، ضحكت ضحكة باردة وحاولت تلطيف الأجواء للحوار، لتردف رفيقتي في السيارة بأن عمر بن الخطاب دخل على أم المؤمنين وعندها الصحابية أسماء، وهو ليس محرماً لها، ولم يسلم ويبتعد وإنما أخذ يمازحها، ويستفزها، فانتظرت رسول الله صلى الله عليه وسلم لتشتكي عمر، ولم يجد رسول الله صلى الله عليه وسلم أو صاحبه غضاضة في التعامل الراقي مع المرأة؛ ذلك هو مجتمع المدينة النبوي. لم ألم صغيرتي، فهناك كثيرون يتحدثون عن خصوصية تضيق فهم الدين، وهي فرية تسمم بها العقول الغضة، ويتاجر بها بعض المحسوبين على الدين بحجج واهية. أعرف أن هناك من اشتغلوا بتأويل الحديث وأوجدوا له مخارج تصرفه عن المعنى المباشر منه، ويقيني أن هناك ممن ابتلي بهم الدين في أيامنا هذه من قد يستنكر على عمر رضي الله عنه ذلك الموقف، فقد بلينا كما يقول ابن سينا " بقوم يظنون أن ألله لم يهد سواهم". أحد طلبة العلم يزورني بين الفينة والأخرى، ويعكف على مراجعات مهمة وخطيرة في التاريخ والفقه، ولكنه عزم ألا تنشر إلا بعد وفاته، خشية من أولئك القوم الذين لن يتعاملوا مع وجهة نظره الحجة بالحجة والدليل بالدليل وإنما بزندقته وسكب المزيد من التهم المقولبة عليه إلى درجة مسخه من الدين ثم إقامة الحد عليه. نحن في عصر يموج بالأفكار، والتشدد المبني على تفسيرات لطبائع قاسية أو وجهات نظر متشنجة لن يكون حصنا حصينا للتدين وإنما سيسهم في صرف الناس عن دينهم، كما أن تبرع بعض المحسوبين على طلبة العلم بإطلاق فتاوى غريبة أو شاذة يسهم في تشويه صورة الدين عند شريحة كبيرة من المسلمين، وكم من كلمة قالت لصاحبها دعني. نحن في المملكة نعتز بخصوصية إيجابية لبلادنا، ونحمل مسؤولية شرف المكان، ونشعر بأننا أولى المسلمين بهذا الدين والمحافظة عليه، لكننا في نهاية المطاف لا نحجر واسعا، ولا ندعي الكمال ولا العصمة، وإنما يكفينا أننا نجتهد في التعبير عن هذا الدين كما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، دون فرض تفسيرات جغرافية أو آراء شخصية صدرت عن أصحابها في أوقات وظروف معينة.