تسارع وتيرة الاتصالات الداخلية في شأن تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة، بحثًا عن مخارج للقضايا السياسية العالقة التي ما زالت موضع انقسام بين فريقي 14 آذار و8 آذار، يمكن أن تؤسس لمرحلة جديدة من خلال التوافق على قواسم مشتركة تشكل شبكة أمان سياسية للتسريع في ولادتها بصورة طبيعية. ويأتي لقاء رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس كتلة «المستقبل» رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة في سياق المحاولات الجدية لإجراء مقاربة مشتركة لنقاط الاختلاف تمحورت حول القضايا السياسية الأساسية بما فيها العناوين الرئيسة للبيان الوزاري. وعلمت «الحياة» من مصادر المجتمعين أن بري والسنيورة طرحا المواضيع العالقة بروح ايجابية وأبديا مرونة في الانفتاح على المخارج المطروحة لنقاط الاختلاف، واتفقا على عقد لقاء آخر بعد انتهاء كل فريق من التشاور مع حلفائه بغية بلورة تصور مشترك. وأكدت المصادر أن بري وافق السنيورة على قوله في نهاية الاجتماع انه كان جيداً ومفيداً و «اننا سنتابع التشاور ونأمل بأن نتقدم على المسارات الصحيحة». ولاحظت مصادر أن التفاهم منذ الآن على الخطوط العريضة لمشروع البيان الوزاري قبل تشكيل الحكومة، وإن كان يعتبر غير دستوري، تبرره الحاجة للتفاهم على المخارج الخاصة بالقضايا الشائكة، لئلا تواجه الحكومة انتكاسة فور ولادتها، رغم ان عدم تقيد فريق بالمخارج التي يتفق عليها ستدفعه الى الانسحاب من الحكومة، وربما قبل مثولها أمام البرلمان لنيل الثقة. وتوقفت المصادر أمام موجة التفاؤل بإمكان تشكيل الحكومة، والتي لم تقتصر على فريق محلي دون الآخر. ولفت الى قول رئيس الجمهورية ميشال سليمان ان قيام حكومة جامعة بأسرع وقت يستدعي تبادل النيات الصافية بين الأطراف وتبادل التنازلات لمصلحة الوطن، كما يقتضي محاسبة المعرقلين وتحميلهم مسؤولية افشال المساعي الجارية لقيام حكومة جامعة. وأكدت المصادر ان سليمان يدعم كل جهد توافقي يكن أن ينتج حكومة جامعة، لكن من حقه والرئيس المكلف تمام سلام وضع فيتو على أي اسم يمكن ان يدرج في عداد التشكيلة الوزارية. وقالت ان الأخير على تواصل مع السنيورة الذي تلقى اتصالاً من الوزير وائل أبو فاعور اطلعه فيه على الأجواء الإيجابية التي سادت لقاء بري ورئيس «جبهة النضال الوطني» وليد جنبلاط، لافتةً الى ان الأجواء السياسية باتت مشجعة لتشكيل الحكومة مع ان مخاض توزيع الحقائب على أساس تطبيق المداورة ليس سهلاً، لكن لن يكون مستحيلاً. وأشارت المصادر عينها الى ان السنيورة سيتواصل مع رئيسي حزب «الكتائب» الرئيس أمين الجميل وحزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع للتفاهم على مجموعة من القواسم المشتركة، رغم ان الأخير لا يزال على رفضه الجلوس مع «حزب الله» الى طاولة واحدة في مجلس الوزراء ما لم ينسحب عسكرياً من سورية. وتطرق جعجع في لقاء تحت عنوان «زمن العدالة تحية لمحمد شطح ووفاء لشهداء ثورة الأرز» الى ملف الحكومة وتوجه الى سليمان وسلام بالقول: «كلنا نريد حكومة بأسرع وقت ممكن، ولكن ليس كل حكومة هي حكومة، ان حكومة التناقضات لن تفعل شيئاً». وسأل: «هل المهم، ان نقول اننا شكلنا حكومة ستعاني من تشوه خلقي لن يمكنها من الوصول الى البرلمان. نريد حكومة، لكن ليس شبه حكومة، فلا تتأخروا ولا تتنازلوا عن صلاحيتكم الدستورية وتصرفوا تبعاً لقناعاتكم». وسألت المصادر عن موقف رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون وقدرة حليفه «حزب الله» على «تنعيم» موقفه في اتجاه تسهيل مهمة تشكيل الحكومة، خصوصاً ان بري يترك للحزب التفاوض معه ليكون على بينة بمواقف قوى 8 آذار فور معاودة مشاوراته مع السنيورة. كما سألت ما إذا كان عون سيتجاوب مع وساطة «حزب الله» أم أنه سيبادر الى رفع سقفه التفاوضي بذريعة انه لم يكلف أحداً بالتفاوض نيابة عنه، وذلك في محاولة لرفع حصته في الحقائب؟ وكانت الجهود الرامية لتشكيل الحكومة حاضرة على هامش المحادثات التي أجراها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف مع رئيسي الجمهورية والبرلمان والرئيس المكلف ونظيره اللبناني عدنان منصور، وأبدى خلالها ارتياحه الى المناخات الإيجابية السائدة في الداخل راهناً وعنوانها الأول تشكيل حكومة جديدة، منوهاً بدور رئيس الجمهورية لتوفير مثل هذه المناخات وتوطيد الوحدة والاستقرار، مشيراً الى أهمية قيام علاقات جيدة بين إيران والدول العربية، وخصوصاً المملكة العربية السعودية من أجل تركيز الاستقرار في المنطقة وحمايته. وقال ظريف في مؤتمر صحافي عقده مع منصور: «زيارتي للبنان ترافقت مع مبادرات سياسية جديدة فتحت آفاقاً رحبة بين الأطراف تمهد لولادة الحكومة العتيدة التي من شأنها أن تنهض بهذا البلد العزيز وان ترسخ فيه الهدوء أكثر من أي وقت مضى». وأيد ظريف كلام منصور عن التحديات التي تواجهها المنطقة واعتبر ان «هذه التحديات مشتركة وتستدعي ان تتوحد الجهود لمواجهة الإرهاب والتكفير والتطرف». وقال ان «الدماء اللبنانية الذكية تلاحمت مع دماء الإيرانيين في الهجوم الإرهابي الذي استهدف سفارتنا في بيروت ونحن نقدر الجهود التي بذلته الحكومة اللبنانية وأدت الى وضع اليد على مفتعلي هذا العدوان». كما أيد موقف منصور المتعلق بحرص الحكومة اللبنانية على ايجاد حل للأزمة في سورية من خلال الحوار بدلاً من اللجوء الى العنف. ودعا أيضاً الى وضع الاتفاقات الثقافية والاقتصادية والتجارية بين البلدين موضع التنفيذ للارتقاء بها الى مستوى التعاون بينهما.