أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ صالح آل طالب، المسلمين بتقوى الله عز وجل في السر والعلن، وقال في خطبة الجمعة التي ألقاها بالمسجد الحرام: "أيها المسلمون سيرة النبي صلى الله عليه وسلم نور كلها في الدعوة والتعليم والسياسة والحروب وفي العبادة والأخلاق، أنى استقيت اهتديت، وحيثما وردت ارتويت، وهذا مورد من سيرة النبي الخاتم مع بناته وبنيه وأحفاده صلى الله عليه وعليهم وسلم تسليماً كثيراً". وأضاف: "تتجلى في هذا المورد إنسانيته وأبوته وشفقته وحنانه كما يجد فيها الأب الذي فقَد بنيه سلوى؛ فقد ابتلي مَن هو خير منه وأبقى، ويجد كل أحد فيها أحكاماً وفوائد وشرعاً". وأردف: "سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم أُنس المجالس وأخباره زينة المجالس، وما من أحد إلا ويحب سماع سيرته ويأنس بأخباره؛ فدعونا نرحل إلى أيامه الأولى وبيته الأول مع أولاده صلى الله عليه وسلم. واستعرض خطيب الحرم المكي سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم بالقول: عباد الله، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فتى قريش، وكان بين أقرانه -إن صح أن يقال له قرين- معروفاً بالصدق والنزاهة، وكان يُدعى بينهم "الأمين"، سارت سيرته بينهم مسير الشمس والقمر؛ فاختارته خديجة بنت خويلد رضي الله عنها ليكون قائماً بأمر تجارتها إلى الشام، وبعثت معه غلامها "ميسرة" فكان ما كان، وأعجبت به خديجة رضي الله عنها فتزوجها صلى الله عليه وسلم وعمره 25 سنة، وكانت أكبر منه سناً وأقام بيته الأول بيتاً ترفرف فيه السعادة ويشرق في جوانبه الإيمان. وقال الخطيب: "كان صلى الله عليه وسلم يحب خديجة حباً جماً حتى كان نساؤه بعد ذلك يغَرن منها، كان يقول: (إني رزقت حبها)، عاش معها 25 سنة، وما تزوج بأخرى حتى ماتت، رُزِق صلى الله عليه وسلم منها بستة من الولد (القاسم، وعبدالله، وأربع إناث، هن زينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة)؛ فأما "القاسم" فإنه أول أولاده صلى الله عليه وسلم، وبه كان يكنى؛ فيقال أبو القاسم". وأضاف: "لقد قال صلى الله عليه وسلم" تسموا باسمي ولا تكنّوا بكنيتي"، وقد مات القاسم صغيراً قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بعد القاسم وُلد للنبي صلى الله عليه وسلم بنت فسماها زينب، ومن خبرها رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم زوّجها أبا العاص بن الربيع؛ فأسلمت قبله وهاجرت ولم يسلم إلا قبل الفتح؛ فردها النبي صلى الله عليه وسلم عليه، ثم بعد زينب رُزِق النبي صلى الله عليه وسلم ببنت فسماها رقية وزوجها عثمان بن عفان رضي الله عنه؛ فلما كان يوم بدر مرضت مرضاً شديداً فلم يحضر عثمان غزوة بدر، كان عند زوجته يمرّضها، ثم ماتت رضي الله عنها؛ فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان بسهم كمن حضر". وأردف: "أما أصغر بنات الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فهي فاطمة هي بنت مَن؟ هي زوج مَن؟ هي أم مَن؟ من ذا يداني في الفخار علاها؟ فاطمة رضي الله عنها زوّجها النبي صلى الله عليه وسلم من ابن عمه علي بن أبي طالب رضي الله عنه في السنة الثانية من الهجرة؛ فولدت الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة، كان صلى الله عليه وسلم يحبهما حباً شديداً ويقول: (هما ريحانتاي من الدنيا)، خطب رسول الله عليه وسلم يوماً فأقبل الحسن والحسين رضي الله عنهما عليهما قميصان أحمران يعثِران ويقومان؛ فنزل فأخذهما فصعد بهما المنبر ثم قال: (صدق الله {إنما أموالكم وأولادكم فتنة}، رأيت هذين فلم أصبر)، هذا قلب النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه رحمته بالصغار، لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة؛ فاطمة هي البضعة النبوية، قال صلى الله عليه وسلم: (فاطمة بضعة مني، يُريبها ما رابني...)". وتابع يقول: "جاءت فاطمة يوماً إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشكو ما تلقى في يدها من الرحى، تسأله خادماً؛ فلم تجده؛ فذكرت ذلك لعائشة؛ فلما جاء أخبرته قال عليّ: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا؛ فذهبت أقوم؛ فقال (مكانك)؛ فجلس بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري؛ فقال: (ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم؟ إذا أويتما إلى فراشكما أو أخذتما مضاجعكما فسبّحا ثلاثاً وثلاثين، واحمدا ثلاثاً وثلاثين، وكبّرا أربعاً وثلاثين؛ فهذا خير لكما من خادم). وقد ماتت فاطمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم بستة أشهر رضي الله عنها ورضي عن زوجها علي بن أبي طالب، ورضي عن ابنيها الحسن والحسين، وإننا نُشهد الله على حبهم وموالاتهم والتقرب إلى الله بذلك، من غير جفاء ولا غلو". وقال "آل طالب": "أيها المسلمون، ثم أصغر أولاد النبي صلى الله عليه وسلم من خديجة عبدالله، وكان يلقب بالطيب أو الطاهر، وُلد بعد البعثة ومات صغيراً، ولما مات قال العاص بن وائل عن النبي صلى الله عليه وسلم: دعوه فإنه رجل أبتر إذا مات انقطع ذكره لأنه لا ولد له؛ فأنزل الله {إنا أعطيناك الكوثر، فصل لربك وانحر، إن شانئك هو الأبتر}؛ أما نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد قال الله له: {ورفعنا لك ذكرك}، هؤلاء هم أولاد النبي صلى الله عليه وسلم من خديجة رضي الله عنها (القاسم، وعبدالله، وزينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة رضي الله عنهم أجمعين)". وأضاف: صلى النبي صلى الله عليه وسلم الفجر ذات يوم، ثم التفت إلى أصحابه فقال: (وُلد الليلة لي غلام، سميته باسم أبي إبراهيم)؛ فأخذ العلماء من هذا تسمية المولود في اليوم الأول، قال البيهقي: "تسمية المولود حين يولد أصح من الأحاديث في تسميته يوم السابع"، نعم ذاك هو إبراهيم، أمه مارية القبطية المصرية، أهداها المقوقس إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ فجاءت بإبراهيم.. وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: "ما رأيت أحداً كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان إبراهيم مسترضعاً له في عوالي المدينة؛ فكان ينطلق ونحن معه فيدخل البيت وإنه ليدخن، وكان ظئره قيناً أي حداداً؛ فيأخذه فيقبله ثم ليرجع. وأردف: "مات إبراهيم في السنة العاشرة وعمره ثمانية عشر شهراً، وكسفت الشمس يوم مات؛ فظن بعض الناس أنها كسفت لموته، وبكى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: (إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون)، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن له مرضعاً في الجنة تكمل رضاعه)".