رغم كل ما طرأ من تحديث الصيغ والتقنيات للعمليات الإرهابية فإن الدافع البدائي والوحشي هو ذاته. وما نخشاه هو أن تسقط ردود الأفعال والتعلقيات الفورية في هذا الفخ بحيث تصبح مجرد تكرار أو تنويع على وتر واحد، فالشجب والاستنكار مهما بلغا من مهارة الصياغة وبلاغتها لا يضعان حداً لهذا الجهل المدجج بالديناميت والكراهية وثقافة الانتقام السوداء، بحيث تبدو التعليقات على ما تعرضت له بروكسل في المطار ومحطة القطار مؤخراً كما لو أنها مسجلة على شريط يعاد بثه، فالإرهاب يتمدد، ويتغذى من منابع ومرجعيات لا يمكن للحرب عليها أن تتوقف عند حدود التوصيف والإدانة. والمراوحة عند أضعف الإيمان في مثل هذه الحالات لن تبدل من المشهد، مما يفرض على العالم بأسره وبمختلف مكوناته أن يستدعي كل ما لديه من احتياطيات ثقافية ووقائية لإيقاف هذا النزيف الذي غالباً ما يكون ضحاياه من الأبرياء. فالمثقف له دور في هذه الحرب إذا تخلى عنه يكون خائناً لرسالته وخاذلاً للآخرين الذين لا يكف عن وعظهم بالفضائل، والمعلم له دور قد يكون جذرياً في إنقاذ ما تبقى، فالوباء الآن يحارب على جبهتين، الأولى مواجهته حتى لو اقتضى الأمر أن تكون هذه المواجهة موتاً لموت، والثانية وقائية لتحصين الوعي المهدد بالتجريف، خصوصاً وأن هناك في هذا العالم غير المتوازن بيئات قابلة للتحول إلى حاضنات دافئة وملائمة لكي يفقس بيض الأفاعي كله في الجحور والأوكار. ولأن الإرهاب لم يعد موضعياً أو ذا جغرافيا وهوية فإن الكوكب الذي نعيش عليه قد لا يصبح آمناً في المدى المنظور. إذ ليس من المعقول أن تتكرر عمليات إرهابية على هذا النحو من التقنية ذاتها وكأنها متوالية سوداء بلا نهاية. لم يعد مسموحاً لأحد منا في هذا العالم على اختلاف الهويات والمهن ومنسوب الوعي أن يقف محايداً، اللهم إلا إذا كان أشبه بجحا الذي قال إن النار لا تعنيه حتى لو التهمت بيت جاره.. فتحول ذات يوم إلى رماد.