لا تزال الفجوة كبيرة بين الجمهور والمسرح، ولا يزال النقاش حولها دائراً ومستمراً، وهو ما تجسد في أولى جلسات البرنامج الفكري لأيام الشارقة المسرحية في دورتها الـ26، مفتتحاً أوراق عمله بعنوان المسرح بين النخبة والجمهور، مسلطاً الضوء على مكامن الخلل في أبو الفنون، الذي أصبح فناً منفراً غير جاذب، وسط حالة من الفوضى خلقها إهمال المسرح للمتلقي، وضعف التسويق وتخلي المحطات عن دورها الحقيقي. مخرجون وفنانون ومسرحيون وأدباء، اجتمعوا صباح أمس في فندق هوليداي انترناشيونال، متسائلين عن أسباب عجز المسرح عن جذب الجمهور، من خلال جلستين جمعتا كلاً من حاتم السيد من الأردن، وحسن رجب وعلاء النعيمي من الإمارات، وحسن رشيد من قطر، ويوسف بوهلول ومحمد ياسين وعبدالله سويد وهدى سلطان من البحرين، ورشا ناصر العلي من سوريا، متفقين على أن المسرح هو المسرح بلا تصنيفات، فلا نخبوية في ظل فن خُلق من أجل خدمة الجمهور. فوضى ذكرت الممثلة هدى سلطان في الجلسة الأولى، أن الجمهور فقد الشغف لحضور المسرحيات، لافتة إلى أن الحضور يقتصر على أصحاب العمل نفسه، وأشارت إلى أن الإعلام يسلط الضوء على المسرح الذي لا يحاكي هموم الناس، متسائلة إلى متى ستستمر هذه الفوضى، وإلى متى سيبقى الجمهور بعيداً عن الخشبة. وتحدث الفنان محمد ياسين الشهير بـبابا ياسين عن تجربته مع الطفل، لافتاً إلى معاناته مع هجر الكبار للمسرح، وداعياً إلى التركيز على الطفل وتقديم ما يرتقي بعقله، ومؤكداً على ضرورة الوقوف في وجه قاعدة الجمهور عاوز كده. وتساءل ياسين عن دور الرقابة على المواد والنصوص التي تقدم أعمالاً تستهين بعقلية الطفل والجمهور.إهمال إهمال الجمهور أهم معضلات المسرح العربي هذا ما أكده الفنان غانم السليطي، لافتاً إلى أن المسرح خُلق لخدمة البشر، والمسرحي خادم للناس، ومشيراً إلى أن أضلاع المسرح الثلاثة تقوم على مبدع ومؤد ومتلق، ومتسائلاً عن مكان المتلقي في ظل إهمال المبدع والمؤدي له. وانحاز السليطي إلى خانة الجمهور مؤكداً أن المسرح ملك الناس، ومتحسراً على بعض الآراء التي ربطت الكوميديا بالإسفاف والتجارة. وأشار الممثل والمخرج يوسف بوهلول إلى أن الأدب التمثيلي هو من أكثر الآداب حاجة للرعاية، لافتاً إلى أن المسرح من أهم الأدوات التي تساعد على ترسيخ الهوية وتوسيع مدار الثقافة، وتقديم خطاب مؤثر قادر على التغيير. وبدأ الممثل والمخرج علاء النعيمي حديثه بالتأكيد على أن قضية المسرح بين النخبة والجمهور نوقشت كثيراً وقُتِلت بحثاً، ولكن دون جدوى في ظل عدم التوصل إلى حلول، وأشار إلى أن الفرق المسرحية تركز على تقديم العروض الإبداعية رغبة في الحصول على الجوائز.تأثير الدراما وفي الجلسة الثانية بدأ الكاتب د. حسن رشيد حديثه بالتأكيد على أن اليأس أصبح جزءاً من نسيج أهل المسرح، لافتاً إلى أن واقع المسرح في المنطقة العربية محزن، فالمسارح العربية تعاني قلة الدعم، ما عدا في الشارقة التي اهتمت به كثيراً بفضل الرعاية والدعم. وتحدث المخرج عبدالله سويد عن الدراما وتأثيرها على المسرح، لافتاً إلى أن تطورها ساهم في عزوف الجمهور عن عوالم أبو الفنون، كما أدى ارتفاع اجور فناني الدراما إلى عزوف نجوم وأسماء كبيرة عن الفعل المسرحي، ولخَّص سويد أهم النقاط التي ساهمت في تراجع المسرح، كقلة دور العرض، وجبروت الرقابة، إضافة إلى ضعف تسويق العمل المسرحي، والافتقار إلى الدعم. أكشن خرج النقاش عن التقليدية المعتادة التي تسود هذا النوع من الجلسات، وساد بعض الأكشن في مداخلة المخرج حسن رجب، الذي أعلن غضبه من النمطية والتكرار اللذين تشهدهما الملتقيات الفكرية لمهرجانات المسرح، وتساءل عن جمهور الشباب، قائلاً: أين المتفرج، كيف نتوقع حضوره وندواتنا نفسها تشكو من الملل، أين فئة الشباب، وكيف نتوقع تواجده وأصغرنا أكل الدهر وعليه وشرب؟، فنحن نفس الأشخاص نلتقي كل عام، نصحو على ندوات وننام على جلسات فكرية، ولكن أين التفعيل لما نناقشه، فمنذ 15 عاماً ونحن نكرر نفس الكلام والمطالب، إذاً فالخطأ فينا وليس في الجمهور!