الدوامة الكبرى التي تدور فيها أسواق الأسهم العالمية منذ بداية العام الحالي تسلط مزيداً من الضوء على حجم عمليات إعادة شراء الأسهم التي نفذتها الشركات خلال عام 2015. وتدرك كل فعاليات الأسواق أن تقييمات الأسهم المتضخمة العام الماضي جاءت نتيجة تدخل البنوك المركزية في الأسواق وهو ما أطلق أجراس الإنذار في وجه مجالس الإدارة التي تدعم صفقات إعادة شراء الأسهم المنفلتة من عقالها. ومع ذلك لم تكف الشركات الأمريكية التي أنفقت 700 مليار دولار على تلك الصفقات، عن الاستمرار في مسعاها. أما في الاتحاد الأوروبي فإن حجم صفقات إعادة شراء الأسهم كانت أقل لكن هذا لا يعني أنها ليست مهمة. والسؤال المهم الآن هو لماذا لا تقلب المؤسسات الاستثمارية الطاولة في وجه ما يمكن اعتباره نهجاً تخريبياً بامتياز. هناك سببان نصف محترمين للجوء إلى عمليات إعادة شراء الأسهم. الأول أن هذه العمليات هي جزء من آلية إعادة تخصيص الاستثمارات العادية. فإذا كان العائد المتوقع على إعادة الشراء أعلى من العائد على الاستثمار في مشاريع الشركة عندها يبدو النهج منطقياً. إلا أن ذلك قد يكون له مردود عكسي لأنه استثمار في أسهم شركة لا تحقق النمو إلا إذا كان تقييم الأسهم أدنى بسبب ضعف الأسواق. أما السبب الثاني فهو أن تعتبر الإدارة السهم رخيصاً. والعبرة هنا أنه في الوقت الذي يملك التنفيذيون أسراراً لا يعرفها غيرهم عن الشركة، تبقى المغامرة قائمة على مخاطر عدم القدرة على التنبؤ بما يخبئ السوق الضعيف من فقاعات. وتنفذ بعض الشركات عملية إعادة الشراء بشكل دوري تغطي حالات انخفاض تقييم السهم وارتفاعه بحيث تكون النتيجة إيجابية على المدى البعيد.إلا أن المتابع لصفقات إعادة شراء الأسهم على أداء أي مؤشر يجد أن الشركات تشتري بسعر مرتفع وتبيع بسعر منخفض في الأغلب. فقد بلغت تلك العمليات حداً قياسياً عام 2007 في نفس الوقت الذي دخلت فيه الأسواق العالمية الأزمة. كما تظهر الدراسات المتخصصة أن أغلبية القرارات الخاصة بإعادة شراء الأسهم تقوم على تقييمات خاطئة لأسعارها. فقد كشفت دراسة أجرتها شركة ديليوت أن 60% من مديري المال في الشركات في أمريكا الشمالية اعتقدوا عام 2013 أن سعر سهم شركتهم أعلى من قيمته الفعلية. وتقدم معظم الشركات على الاقتراض مستغلة تدني تكاليفه لتمويل عمليات إعادة الشراء، لكن الاقتراض الرخيص لتمويل شراء أسهم مرتفعة الثمن لا يجدي. وتقدر نسبة عالية من الشركات المدرجة على مؤشر فاينانشل تايمز رواتب ومكافآت التنفيذيين استناداً إلى نسبة أرباح السهم وهو ما يعتبره تيم بوش المحلل لدى شركة بيرك محفزاً على عمليات إعادة شراء أسهم تتسبب في إضعاف قيمة الاقتصاد. وتبدو علامات صراع المصالح ظاهرة هنا حيث لا يمكن اعتبار الاختيار بين إعادة شراء الأسهم وتوزيع حصص المساهمين من الأرباح قراراً حيادياً.كما أنه في بعض الدول ومنها بريطانيا يترتب على عملية إعادة شراء الأسهم ضرائب بنسبة 0.5% إضافة إلى رسوم تدفع لشركات الوساطة قد تزيد على 0.2%. والنتيجة هي أن الانطباع بتحقيق نمو فعلي في الأرباح هو انطباع مضلل. كما أن الحوافز الفاسدة تعني أن هناك دائماً ما يغري الشركات بتحمل المخاطر على ميزانها الختامي عندما تقترض لتمويل عمليات إعادة الشراء. وقد آن الأوان كي تحكم المؤسسات الاستثمارية قبضتها على هذه العمليات بحيث تتبنى معايير تفرض على مجالس الإدارة عدم الموافقة على إعادة شراء الأسهم ما لم تكن هناك ظروف قاهرة تفرض ذلك.