قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة في الجزائر بأشهر ظهر الى العلن صراع بين السلطة الحاكمة وكبار الجنرالات داخل أجهزة الأمن والمتقاعدين منهم الذين يُحسبون على جهاز الاستخبارات، هدفه السيطرة على الدولة، وفـق مفهوم المواطن، وأشير إلـــيه فــي شكل علني عندما انتقد رئيس حزب «جبهـــة التحرير الوطنية» عمار سعداني رئيس جهاز الأمن والاستعلامات للمرة الأولى، ما أعطى انطباعاً للرأي العام بوجود صراع حقيقي بين الطرفين. تجسّد هذا أيضاً في تصريحات ضبّاط متقاعدين من الجيش، كتصريح الجنرال حسين بن حديد الذي هاجم فيه رئيس الجمهورية وشقيقه سعيد بوتفليقة ونائب وزير الدفاع قائد الأركان أحمد قايد صالح ورجل الأعمال علي حدّاد، وكان ذلك سبباً في اإعتقاله وسجنه الى اليوم. وأعتُقل قبله أيضاً الجنرال حسّان وأحيل على القضاء العسكري بتهـــم خطيرة. حدث هذا في العام 2015، وتبع ذلك مباشرة وفي السنة نفسها اقدام الرئيس بوتفليقة على اقـــالة أكثر الجنرالات إثارة للجدل في الجزائر توفيـق محمد مدين رئيس الاستخبارات الجزائرية لأكثر من عقدين من الزمن، وهو الذي كان يُلقب بصانع الرؤساء. وخـــرجت بعدها تعليقات ضبّاط كبار سابقيــــن كانوا في الجيش، منها ناقدة ومنها مؤيدة للقـــرار. وفي النهاية، ووفق اعتقاد «الموالاة»، انتهى الصراع لمصلحة الرئاسة بعد تعيين الجنرال بشير طرطاق قائداً للاستخبارات. ثم بعد صراع السيطرة على الدولة بين أجنحة السلطة والذي لم يزل قائماً انما بوتيرة أقل، ظهر اليوم صراع مختلف هو حول «الحقيقة التاريخية» بين الجنرالات أنفسهم الذين كانوا في السابق داخل السلطة مدّة طويلة. حدث هذا عندما خرج قائد الأركان السابق خالد نزار في مؤتمر صحافي عقده في منزله وتكلم فيه عن الراحل حسين آيت أحمد وكذّب فيه فكرة عرض الرئاسة عليه في بداية التسعينات، ثم تحدّث عن بعض أسرار ما يسمى «العشرية السوداء» في التسعينات وملف المفقودين وعدد ضحايا المأساة الوطنية، وقال إنه مستعد للمحاسبة عن الملفين. بعد هذا مباشرة خرج جنرال آخر محسوب على فترة الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد هو محمد بتشين المسؤول السابق عن الاستخبارات الجزائرية آنذاك، وفنّد ما قاله الجنرال خالد نزار عن حسين آيت أحمد وأكدّ أنه عرض عليه الرئاسة. ثم تحدّث عن تقرير مهم وخطير سيكشف عن محتواه قريباً وهو الذي طرحه على رئيس الدولة آنذاك قبل دخول البلاد في أزمة أمنية، لكن لم يأخذوا به. بعد هذا حتماً سيخرج جنرال آخر، كما أشار إليه خالد نزار في مؤتمره الصحافي الأخير، سيصرّح بما فعله وشاهده وسمعه عن حقبة زمنية طويلة عطّلت البلاد والعباد، في ظل غياب شعبي كبير عن كل الأحداث السياسية منذ انقلابهم على الشرعية في بداية التسعينات. ثم يخرج آخر يحكي قصة توجيه السلاح ضدّ ما نسميه نحن الوعاء الانتخابي الشريف الذي شارك في أول انتخابات نزيهة في تاريخ الجزائر وهو الشعب، لإنقاذ كما يسميه هو «الجمهورية الجزائرية الديموقراطية الشعبية»، ناسياً أنّ الشعب هو مصدر كل السلطات، فاغتيلت بذلك الجزائر بجمهورها وشعبها وديموقراطيتها. فلا أحد اليوم في الجزائر - وأتحدّث هنا عن الشرفاء - يصدّق ما يقوله أشخاص النظام الحاكم، سواء منهم المتقاعدين أم الذين ما زالوا يعطلون البلد عن التقدّم والرقي والازدهار. لا أحد سيستمع مستقبلاً لشهادة وتصريحات كل من كان مسؤولاً أو وزيراً أو رئيساً. لم يعد للمواطن ثقة فيهم بعد ما خرّبوا البلاد ونهبوا ثروات الجزائر وما زالوا على نهجهم هذا. عندما يخرج مَن كان مسؤولاً عن دمار البلاد ويصرّح بمعلومات كاذبة لا يتقبلها حتى عقله الذي يعلم جيداً أنها مخادعة للرأي العام وغير مطابقة لتقارير منظمات حقوق الإنسان آنذاك، وحتى السلطة الحاكمة اليوم حول عدد القتلى الذي يفوق 200 ألف قتيل، هنا نصبح أمام استهزاء وضحك على الجزائري الذي عاش ويلات الدم والنار وسيموت شهيداً على كل ما فعلوه. لا يُصدّقهم إلا قلائل ممن هم على طريقهم المليء بالخداع، والكثيرون بعيدون كل البعد عنهم بعدما اختاروا طريق اللاسياسة في بلد أنهكته الأوليغارشية الفاسدة.